العدد 5390
الثلاثاء 18 يوليو 2023
banner
أنيس منصور يسأل نجيب محفوظ
الثلاثاء 18 يوليو 2023

سأل الأستاذ الكبير أنيس منصور سؤالا طويلا، طرحه على نجيب محفوظ في مجلة الهلال التي كانت تقدم عددا خاصاً عنه سنة 1970، حيث تنبأت فيه بحصوله على نوبل. كتب أنيس منصور: عزيزي الأستاذ نجيب محفوظ، أنت رجل مقتدر على معظم الأشكال الأدبية، وسدت الرواية وتفوقت في القصة ومارست المسرحية، فلماذا لم تجرب كتابة المقال وهو من أهم الأشكال الأدبية وأصرحها للتعبير عن الرأي. وهناك روائيون ومسرحيون اشتهروا بالرواية والمسرحية، وفي نفس الوقت يعتبرون من أعظم كتاب المقالات عندنا، مثلا: "ألان روب جرييه" يعتبر من أحسن كتاب الرواية الجديدة، وهو من أحسن كتاب المقال، والمؤلف المسرحي يونسكو من أجمل وأوضح كتاب المقالات أيضا، رغم أنه اشتهر بالرواية والمسرحية. 
وأنت: لماذا لم تكتب المقال؟ هل تخاف أن يكون لك موقف واضح - وأنا لا أنكر أنك رجل بين واضح - فتحاسب عليه، وبذلك تفضل أن تضع مواقفك على ألسن أبطالك! أم لأنك درست الفلسفة ومعروف في الفلسفة أن أكمل الأشكال هي الدائرة أو الكرة، وهي كما تقول الفلسفة اليونانية أكمل الأشياء الهندسية، لكن الكرة ليس لها طرف، وأنت لا تحب أن يمسكك أحد من طرف.. وبذلك تعزف على جميع أصابع البيانو وتعرض جميع ألوان الطيف، أو لأنك تحب أن يعرف عنك كما عرف عن توفيق الحكيم الغموض والألغاز، وأن تكون أحسن من يتظاهر بأنه ثمل، بينما هو واع في منتهى الوعي؟
وجاءت إجابة نجيب محفوظ بسيطة.. عميقة وشديدة التواضع والفلسفة، حيث كتب: عزيزي الأستاذ أنيس منصور.. أبيت إلا أن تجعل من سؤالك مقالا، وأن تحصي في نفس الوقت الإجابات الممكنة فلا تفوتك إجابة، وأخشى ما أخشاه إن قدمت لك إجابة سبقت في سؤالك أن ترميني مرة أخرى بالاقتباس، لكنني سأحاول أن أكاشفك بذات نفسي: لقد بدأت حياتي بكتابة المقال، كتبت بصفة متواصلة فيما بين عامي 1928 و1936 مقالات في الفلسفة والأدب في المجلة الجديدة والمعرفة والجهاد اليومي وكوكب الشرق، ثم اهتديت إلى وسيلتي التعبيرية المفضلة وهي القصة والرواية. ولو كنت صحافيا لواصلت كتابة المقال إلى جانب القصة والرواية، لكنني كنت ومازلت موظفا، فلم يكن يرجعني إلى المقال إلا ضرورة ملحة، يضيق عنها التعبير القصصي، وأعترف لك بأن هذه الضرورة لم توجد بعد، فأنا لا أعد نفسي من أصحاب الرأي، لكنني من زمرة المنفعلين بالآراء، لذلك فمجالي هو الفن لا الفكر، وثق أنه لو أخرجني الله من الظلمات برأي شخصي يمكن أن أنسبه إلى نفسي لما ترددت لحظة في تسجيله في مجاله المفضل - بل الوحيد - وهو المقال. ألا ترى أن جرييه صاحب رأي في الرواية الجديدة؟ وكذلك يونسكو بالنسبة للمسرح؟ لكن ما حيلتي إذا لم يكن عندي رأي جديد؟ قضى ربك أن أكون من أصحاب القلوب لا العقول ولا مناص من الرضا بقضاء الله.
السؤال الآن هل هذا هو سجال الكبار الذي يتخفى وراء الأسئلة والإجابات أيضا؟.

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .