عندما علم نجيب محفوظ بفوزه بجائزة نوبل عام ١٩٨٨ قال.. لقد كنت أتمنى أن يفوز بها أستاذي توفيق الحكيم، كان الحكيم أستاذا وصديقا لمحفوظ، جمعتهما صداقة متينة ولم يفصل بينهما إلا الموت على حد تعبير صاحب نويل. محفوظ قرأ رواية عودة الروح للحكيم وتأثر بها كأول رواية مصرية بالمعنى الحقيقي للرواية سبقتها رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل، كانت تمصيرا للرواية الأجنبية، وقد وجهت رواية الحكيم أنظار محفوظ إلى الأحياء الشعبية وعالم الحارة المصرية التي أبدع فيها وحملته إلى العالمية، كما أن توفيق الحكيم قرأ رواية “زقاق المدق” لمحفوظ وأعجبته وسعى إلى التعرف عليه، وكانت سعادة محفوظ بالغة عندما أبلغه أحد الأصدقاء أن الحكيم يريد أن يراه.
تم اللقاء بين الأديبين الكبيرين في أحد المقاهي، تقدم محفوظ من الحكيم في خجل واستحياء، وقال له: أنا نجيب محفوظ. فقال الحكيم: “هو أنت نجيب؟ تعالى احنا بندور عليك”. بعد اللقاء كان انطباع الحكيم أن محفوظ يشبه إبداعه، بسيط وعميق مع ثقة بالنفس لا تعرف الغرور. منذ هذه اللحظة اتصلت أواصر الصداقة بين الأديبين، وكان محفوظ من القلائل الذين دخلوا منزل الحكيم في جاردن سيتي وتناول معه الغداء، كما أهداه الحكيم المعروف بالبخل صينية منقوشا عليها: إلى عملاق الرواية نجيب محفوظ مع الحب والإعجاب. هذه الهدية كان محفوظ يضعها في دولاب زجاجي مع الأوسمة والنياشين التي حصل عليها. التقدير بين الكاتبين كان كبيرا فالحكيم يقول: لولا نجيب محفوظ ما قامت للرواية العربية قائمة. وإضافة إلى أستاذية الحكيم له فإن محفوظ كان يقول: جلوسي مع توفيق الحكيم متعة من متع الحياة الدنيا، فهو متحدث لبق عن حياته وثقافته الموسوعية، يحكي بخفة ظل ولا يتوقف عن إلقاء النكات التي تصور غرائب الحياة وفلسفتها العجيبة. كان محفوظ يسير في ركاب الحكيم مؤمنا بأفكاره مدافعا عن آرائه، لذلك فمن الطبيعي أن يكون هو ثاني الموقعين بعد الحكيم على بيانه عن حالة اللاسلم واللاحرب قبيل حرب أكتوبر. ولما مرض الحكيم حزن عليه محفوظ حزنا كبيرا، وكان يزوره باستمرار، لكن في إحدى المرات دخل محفوظ عليه المستشفى بعد اشتداد المرض وفوجئ به يقول له: أنت مين؟ بعدها مات الحكيم وكتب محفوظ: الحكيم قد يختفي من حياتنا المتعطشة لحضوره، لكنه يبقى حيا في أرواحنا وعقولنا وقلوبنا.
* كاتب مصري