العدد 5355
الثلاثاء 13 يونيو 2023
banner
بين الزعيم والأديب.. عبدالناصر وتوفيق الحكيم
الثلاثاء 13 يونيو 2023

كان الرئيس جمال عبدالناصر قارئا نهما منذ شبابه، قرأ رواية توفيق الحكيم "عودة الروح" التي صدرت عام ١٩٣٣، وتنبأت بالبطل المخلص الذي سينقذ مصر، وتأثر بها عبدالناصر وأسهمت في تكوين أفكاره وكانت بالتأكيد من الأشياء التي شكلت تفكيره الثوري، لقد التقى حلم المبدع بحلم الثائر في تحرير مصر من الاحتلال.
من هنا كانت للأديب الكبير توفيق الحكيم مكانة خاصة لدى الزعيم جمال عبدالناصر، وحدث أن فوجئ عبدالناصر عام 1954 بوجود اسم توفيق الحكيم في كشوف التطهير الخاصة بالذين يجب أن تفصلهم الثورة في عمليات التطهير التي تقوم بها، كان الحكيم وقتها مديرا لدار الكتب وقام وزير المعارف (التعليم) بوضع اسمه ضمن كشوف التطهير، وفور أن قرأ عبدالناصر الاسم غضب بشدة، وقال: إننى لا يمكن أن أتصور حدوث ثورة تفصل توفيق الحكيم.. من غير المعقول ولا المتصور أن نأتي نحن ونخرج واحدا مثل توفيق الحكيم. فقال الوزير إسماعيل القباني: الحكيم كسول لا يذهب إلى العمل كل يوم، ولا يذهب في مواعيد العمل المعروفة، وهو يريد ذلك، (يقصد الخروج). قال عبدالناصر: من الممكن للحكيم أن يخرج أو يستقيل برغبته حتى يتفرغ لعمله الأدبى، لكن لا يخرج في عمليات التطهير، يخرج في سياق آخر ونكرمه عند خروجه أيضا، وهنا تضايق وزير المعارف، وقال: المسألة أصبحت مسألة كرامة، وهدد بالاستقالة. وتدخل الكاتب فتحي رضوان وزير الإرشاد القومي في ذلك الوقت، وعرض أن يصلح بين الحكيم وإسماعيل القباني وينتهي الأمر، لكن الوزير رفض. وعند ذلك قال عبدالناصر: المسألة ليست مسألة كرامة، وإنه لا يرضى للثورة أن يكون في تاريخها إخراج توفيق الحكيم في التطهير، فخرج الوزير القباني من الاجتماع وأرسل استقالته، وتم قبولها.
كان عبدالناصر في ذلك الوقت نائبا لرئيس الوزراء والمسيطر الفعلي على مجلس الوزراء أكثر من سيطرة الرئيس محمد نجيب. انتصر عبدالناصر للأديب توفيق الحكيم على حساب الوزير ثم كرمه بعد ذلك ومنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. 
ولعل مكانة الحكيم في قلب الزعيم هي التي سمحت له بأن ينشر أعماله التي تنتقد حكم الفرد مثل "بنك القلق" و"السلطان الحائر" في الأهرام.
لكن الشيء الغريب أن توفيق الحكيم بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر قام بإصدار كتابه "عودة الوعي"، وهاجم فيه فترة حكمه، وقال إنه أي الحكيم كان غائبا عن الوعي طوال مدة 18 عاما هي فترة حكم عبدالناصر بسبب غياب الديمقراطية، وتعرض الحكيم لهجوم شديد من الناصريين واليساريين بسبب هذا الكتاب، وصدرت كتب كثيرة تهاجمه منها كتاب محمد عودة "الوعي المفقود".
وكان رأي الحكيم أنه تعرض لظلم فادح بسبب هذا الكتاب رغم أنه كان يحب عبدالناصر حبا شديدا لما قام به من أعمال عظيمة لبلده وأمته، وقال إنه لم يكن يهدف إلى التشهير بالزعيم، لكنه كان يريد معرفة أسباب سلبيات التجربة، خصوصا بعد نكسة ١٩٦٧، وأن كل ما طالب به هو أن تفتح الملفات لنعرف ماذا جرى؟ كما يحدث في أي بلد متقدم.
للأسف جاء من فتح الملفات بشكل مغرض هكذا يقول الحكيم، فتحت الملفات للتشهير بالبعض، لذلك فإنه كتب مقالا في الأهرام تحت عنوان "أغلقوا الملفات" ذكر فيه أنه لم يكن ضد عبدالناصر أبدا، وأن كتابه "عودة الوعي" كتبه كمذكرات خاصة، ولم يكن الهدف نشره ككتاب، لكنه فوجئ ببعض الأصدقاء قاموا بنشره.

كاتب مصري
 

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .