العدد 5346
الأحد 04 يونيو 2023
banner
د. وليد عبدالعزيز محسن
د. وليد عبدالعزيز محسن
الذكاء الاصطناعي وآثاره على التعليم العالي والبحث العلمي
الأحد 04 يونيو 2023

يُشكل الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) تحولًا كبيرًا في العملية التعليمية والبحث العلمي، خاصة في مؤسسات التعليم العالي، حيث يوفر فرصًا جديدة للتعلُّم والتطوير، ولكنه في نفس الوقت يتسبب في ظهور بعض التحديات لمواجهة السلبيات التي تنتج عن إساءة استخداماته. 
فمع ظهور منصة Chat GPT والذي تلاه ظهور التحديث الأخير لها GPT-4، فقد نما إلى السطح من جديد هذا الهاجس لدى الأكاديميين والباحثين عن كيفية التعامل مع الكثير من المعضلات المتعلقة بالمصداقية والتأصيل في البحث العلمي والكتابة البحثية. 
فمن المعلوم أن الذكاء الاصطناعي ينضوي على العديد من الإيجابيات، مثل توفير موارد تعليمية متخصصة للقيام بتحليل البيانات والتفاعلات الطلابية لتوفير مواد تعليمية مفيدة ومتنوعة تلبي احتياجات كل طالب وباحث بشكل فعّال، تحسين عمليات التقييم والتغذية الراجعة، وزيادة فعالية البحث العلمي عن طريق استخدام البيانات الضخمة وتحليلها لتوجيه الباحثين نحو مواضيع بحثية مبتكرة ومؤثرة، وتطوير فرص التعاون العلمي وتوفير موارد تعليمية وبحثية مستدامة ومتجددة. 
على الجانب الآخر، هناك عدد من السلبيات والتحديات مثل، تكلفة التطبيق المرتفعة نسبيًا والتي قد تحتاج إلى استثمارات مبدئية كبيرة، وقضايا الخصوصية والأمان، حيث ينطوي تطبيق الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات كبيرة من البيانات الشخصية للطلاب والباحثين، مما يثير قضايا الخصوصية والأمان، بالإضافة إلى الاعتماد الزائد على التكنولوجيا، والذي قد يؤدي إلى تقليل القدرة على التفكير النقدي والتعلم الذاتي والإبداع، علاوة على المعضلة المعروفة بـ “تحيز الذكاء الاصطناعي”، حيث إن استخدام الذكاء الاصطناعي بنفس الوتيرة ينتج عنه عملية تكرار لنفس المقترحات والحلول، ومن ثمّ التحيزات السابقة والقائمة في البيانات المخزنة بالفعل، ما يؤدي إلى نتائج متحيزة وغير عادلة. وبالطبع لا يجب غض الطرف عن تهديد الذكاء الاصطناعي لبعض فرص العمل، حيث إن توظيف الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الأكاديمية قد يؤدي إلى تقليل فرص العمل للأكاديميين والمدرسين.
بناءً على السرد السابق، أرى في هذه التحديات فرصًا للمجابهة وتقديم الحلول، والتي منها على سبيل المثال، توفير استثمارات مبدئية كافية وتحسين البنية التحتية لضمان تطبيق ناجح للذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي، كما يتعين تطبيق سياسات وإجراءات صارمة لحماية خصوصية البيانات وضمان سلامتها من الاستغلال والتلاعب، والعمل على تحقيق التوازن بين الذكاء الاصطناعي والتفكير النقدي، وذلك عن طريق تشجيع الطلاب والباحثين على استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للتعلم والبحث، مع الحفاظ على قدراتهم النقدية والتحليلية، كما يتعين أيضًا على مؤسسات التعليم العالي والمراكز البحثية وضع ضوابط لرصد التحيز وضمان تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل عادل وموضوعي لتلافي مشكلات التحيز وتكرار إنتاج نفس الحلول لمشكلات متجددة وعصرية، وأيضًا يتحتم العمل على تطوير مهارات المستقبل وتحديث المناهج الدراسية وبرامج التدريب لتحقيق التوافق مع تطورات الذكاء الاصطناعي وتجهيز الطلاب والباحثين للتكيف مع تحولات سوق العمل. وأخيرًا، يجب الحرص على أن يتم استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في التعليم بطريقة تحافظ على العلاقات الإنسانية بين المدرسين والطلاب، ويجب تجنب الاعتماد الكلي على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على حساب العلاقات الإنسانية والتواصل المباشر بين الباحثين والمتعلمين.
مما لا شك فيه أنه بالتعامل مع هذه التحديات بشكل مناسب، يمكن لمؤسسات التعليم العالي والمراكز البحثية تحقيق الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي وتعزيز العملية التعليمية والبحث العلمي في إطار عمل مناسب يحافظ على العدالة والمساواة والخصوصية والشفافية والمسؤولية الأخلاقية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية