تبدو حياة المبدعين سلسلة من المواقف العجيبة، تصنع عند اكتمالها كحبات العقد أديبا مختلفا يملك رؤية مغايرة للعالم والحياة، يعرضها علينا بما يخطه إبداعا في رواياته وكتبه ومسرحياته، وحياة الكاتب الراحل الكبير توفيق الحكيم (1898 - 1987) منذ طفولته كانت إرهاصا بهذا المبدع الكبير الذي سيكون.
يروي الحكيم شيئا من سيرته الذاتية التي اعتبرها سجن العمر، يقول إنه كان يحب القراءة كثيرا، وكان يختفي أثناء القراءة بعيدا عن عيون أهله، يتسلل يقرأ الكتب تحت السرير، وكانت على السرير ملاءة تخفي من خلفها كأنها ستارة، فلا يراه أحد، وعندما كانت الستارة أو الملاءة تحجب النور كان الحكيم يحضر شمعة ويشعلها ليقرأ على نورها.
وحدث ذات يوم أن جاء موعد الغداء، وجعلوا ينادون عليه وهو مستغرق في القراءة، وعندما انتبه إلى الصوت المتكرر، خرج مهرولا من تحت السرير تاركا الشمعة موقدة، وبينما الأسرة منهمكة في الأكل تعالى صراخ الجيران “حريقة.. حريقة”، وظل الجميع يكافحون النيران حتى أطفئت تماماً، وراح الأب وكان يعمل قاضيا يسأل ويحقق بدقة عن سبب الحريق، بينما الحكيم منكمش لا ينطق ببنت شفة.
والدة أديبنا الكبير توفيق الحكيم قالت في حوار نادر لمجلة الجيل التي كان يرأسها أنيس منصور: إنها كانت تضع فتيلا من اللهب ليذاكر عليه الحكيم، فلم تكن هناك كهرباء، وتوصي الخادمة أن تطفئ الفتيل في الساعة العاشرة. وذات يوم استيقظت عند منتصف الليل وذهبت لتطمئن على الحكيم فلم تجده في السرير، بحثت عنه في البيت دون جدوى، وكادت تصرخ لولا أن لمحت ضوء الفتيل تحت السرير، فقد تظاهر الحكيم بالنوم أمام الخادمة ثم عاد وأشعل الفتيل واختفى تحت السرير يقرأ.
هذه المرة لم تشتعل الحرائق لكنها فيما بعد انتقلت إلى عقولنا كلما قررنا الغوص إلى إبداعه المثير في المسرح والفكر والرواية.
كاتب مصري