العدد 5282
السبت 01 أبريل 2023
banner
د. وليد عبدالعزيز محسن
د. وليد عبدالعزيز محسن
ريادة الأعمال والمشاريع الاجتماعية.. أرباح تتحقق ومجتمع ينمو
السبت 01 أبريل 2023

عادةً ما تطالعنا الصحف والمجلات المحلية والدولية بمعظم دول العالم بموضوعات عن ريادة الأعمال، ومدى أهميتها للتنمية الاقتصادية للدول ومساهمتها في خفض نسب البطالة والحد من ظاهرة الاحتكار التجاري لمؤسسات الأعمال الكبيرة عن طريق تحفيز المنافسة، وغيرها من المزايا والفوائد التي لا يختلف عليها أحد في عصرنا الحديث. ولكن يوجد على الجانب الآخر نوع معين من مشروعات ريادة الأعمال باتت تُعرف بالمشاريع الاجتماعية، أو ريادة الأعمال الاجتماعية. وقد يتصور القارئ أننا بالحديث عن هذا النوع من المشروعات نقصد فقط المشروعات الخيرية غير الهادفة للربح، والتي تصبو فقط إلى خدمة المجتمع وتنميته. وهذا التصور كان صحيحاً، بل ودقيقاً أيضاً حتى وقت قريب من القرن الحالي. ومع ذلك، فهذا المقال يسلط الضوء على نوعية المشاريع الاجتماعية الهادفة أيضاً للربح، حتى وإن كان هامش الربحية المستهدف عادةً ما يقل عنه في حالة المشروعات الاقتصادية الربحية الصريحة.
فريادة الأعمال الاجتماعية عبارة عن عدد من المشروعات الاجتماعية، والتي تكون تهدف دائماً لحل المشكلات الاجتماعية والحياة والمتطلبات الاجتماعية ويتم هذا باستخدام مبادئ وأساسيات ريادة الأعمال، وهذا يكون من أجل أن يتم إنشاء وتنظيم وإدارة اجتماعية صحيحة وتحقق معايير التغيير الاجتماعي والتقدم  المطلوب، ففي حين أن رائد الأعمال التقليدي قد يُنشئ صناعات جديدة تمامًا، للاستفادة المادية منها، وتحقيق نجاح وتفوق اقتصادي، يأتي رائد الأعمال الاجتماعي بحلول جديدة ومبتكرة للمشاكل الاجتماعية، ثم يقوم بتنفيذها على نطاق واسع، وبالتالي، فإن رواد الأعمال الاجتماعيين حول العالم هم أحد عوامل التغيير في مجتمعاتهم، يغتنمون بعض الفرص التي يفوتها الآخرون، ويحسنون الأنظمة، ويبتكرون أساليب جديدة، ويخلقون حلولًا لتغيير المجتمع إلى الأفضل. هناك كثير من أنواع ريادة الأعمال، ولكنها تختلف عن ريادة الأعمال الاجتماعية، من حيث الأهداف والقيم والمردود الاجتماعي، والهدف منها تحقيق الربح المالي من المشاريع الاجتماعية التي يقيمها رواد الأعمال مثل المؤسسات الخيرية. يعتقد العالم الاقتصادي الشهير آدم سميث أنه عندما يسعى الأفراد إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، سيدفعهم هذا إلى اتخاذ قرارات تفيد الآخرين. فعلى سبيل المثال، يريد الخباز تحقيق مكسب كافٍ لإعالة أسرته، ونتيجة لذلك، ينتج منتجاً ــــــــ الخبز ـــــــــ يغذي ويُطعم مئات الأشخاص.
أحد الأمثلة على ريادة الأعمال الاجتماعية هو “مؤسسات التمويل متناهي الصغر”، وهي مؤسسات تقدم خدمات مصرفية للأفراد أو المجموعات العاطلين عن العمل أو ذوي الدخل المنخفض الذين لن يتمكنوا من الحصول على الخدمات المالية بأي طريقة أخرى في مقابل الحصول على نسبة من ربحية هذه المشروعات لضمان استدامة هذه الخدمة. كما تشمل الأمثلة الأخرى على ريادة الأعمال الاجتماعية كل من البرامج التعليمية، وتقديم الخدمات المصرفية في المناطق المحرومة. حيث تهدف كل هذه الجهود إلى تلبية الاحتياجات غير المتوفرة داخل المجتمعات التي تم تجاهلها، أو التي لا تستطيع الوصول إلى الخدمات أو المنتجات أو الأساسيات الأخرى المتاحة في المجتمعات الأكثر تطورًا، والذي لا يتعارض مع تحقيق أرباح من خلال تقديم هذه الخدمات، بشرط ألاّ تكون هذه الأرباح مبالغ فيها والذي قد يؤدي إلى التحول من مساعدة المجتمع في حل مشكلاته إلى استغلال هذه المشكلات لتحقيق مكاسب مالية مجحفة.
ما أحوج مجتمعاتنا العربية إلى هذا النوع من المشاريع الاجتماعية التي توفر خدمات للناس وحلول لمشاكل المجتمع، بجانب السماح بتحقيق مكاسب مادية (معقولة) لرواد هذا النوع من الأعمال لضمان الاستمرارية. ففي مملكة البحرين على سبيل المثال، لا تدخر الحكومة جهداً في العناية بجميع فئات المجتمع وتقديم الخدمات اللازمة لهم، ومع ذلك، فشأنها شأن جميع دول العالم - الذي يمر حالياً بأزمة اقتصادية طاحنة تطال الجميع - فإن الدولة تحتاج إلى تضافر الجهود، وتعاون القطاع الخاص كشريك أساسي في التنمية، ليست الاقتصادية فحسب، بل والاجتماعية أيضاً، مما يحافظ على رفاهية المجتمع، ويضمن الحياة الآمنة للأجيال القادمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية