مما لاشك فيه على الصعيد الدولي، أنه وفي حال استمرار أزمة سلاسل الإمدادات والتوريد حول العالم والتي ضربت العالم في العامين 2021 و2022، فإن ذلك سوف يتسبب في استمرار التضخم ورفع أسعار السلع والمنتجات للمستهلكين، وكذلك إبطاء النمو الاقتصادي العالمي، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ووجود بقايا من آثار التعافي من أزمة “كوفيد-19” والتي أطاحت بالعديد من الاقتصادات حول العالم خلال العامين الماضيين.
أما في دول الخليج... فكان الوضع الاقتصادي أكثر صلابة وقوة. ففي المملكة العربية السعودية، وفي شهر أكتوبر من العام 2022، فقد تم إطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة السعودية كمركز فعال وأساسي في مجال الخدمات اللوجستية والنقل. كما تهدف المبادرة إلى أن تصبح المملكة حلقة وصل حيوية في سلاسل الإمداد العالمية، وتستهدف المبادرة كذلك جذب استثمارات صناعية وخدمية بقيمة 40 مليار ريال قبل العام 2025. وفي الفترة نفسها، تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية للصناعة في السعودية كذلك، من أجل تنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية.
ولتحقيق جميع تلك الأهداف، فإن السعودية تعمل على استثمار أكثر من 500 مليار ريال في البنية التحتية، والتي تشمل الموانئ البحرية والمطارات. وتتماشى تلك الجهود مع رؤية 2030 وإستراتيجية وخطة المملكة للتنويع الاقتصادي ولتعزيز مكانتها الاقتصادية لتصبح ضمن أكبر 15 اقتصاداً عالميا بحلول العام 2030.
وفي مملكة البحرين، فقد تم انتهاء من أزمة سلاسل الإمداد بشكل كامل، حيث تمكنت البحرين من إدارة العمليات اللوجستية والتعامل بمرونة وكفاءة مع أزمة الإمداد. وبالرغم من ارتفاع أسعار الشحن نتيجة للتضخم وارتفاع أسعار النفط وزيادة تكاليف التأمين على الشحن، إلا أنه ومن الناحية الإيجابية، فقد انتظم الشحن الجوي بشكل كامل وأصبحت موانئ البحرين اليوم على أتم الجاهزية والاستعداد لاستقبال البضائع من مختلف الدول المصدرة حول العالم.
ومن جهود البحرين كذلك، في السياق ذاته، أنه تم إطلاق 3 مدن صناعية جديدة لتنمية القطاع الصناعي البحريني نتيجة لتزايد الاهتمام بالأنشطة اللوجستية. وأيضاً، وتماشياً مع جهود البحرين لتعزيز الكفاءة التشغيلية، فقد تم إطلاق السوق الإلكترونية والتي تهدف إلى إدارة عمليات سلسلة التوريد وعلاقات الموردين، في منصة رقمية واحدة، لتعزيز التشغيل الفعال لإدارة المشتريات وسلاسل التوريد.
وتوجد العديد من العوامل الطبيعية التي تتمتع بها دول الخليج، والتي ساعدت في خلق مزايا تنافسية تعزز من نجاح جميع الجهود، المذكورة أعلاه، في السعودية والبحرين.
وتشمل تلك العوامل الموقع الجغرافي الإستراتيجي لهما في قلب ثلاث قارات. كما تشمل المزايا التنافسية توافر مصادر الطاقة في السعودية والبحرين ومنها النفط والغاز الطبيعي والكهرباء والزيت ومصادر الطاقة المتجددة. يذكر أن السعودية تعمل على تطوير إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر، بهدف أن تصبح من أكبر المنتجين والمُصدِّرين لهما.
* كاتبة اقتصادية ومستشارة تقنية سعودية