العدد 5261
السبت 11 مارس 2023
banner
د. وليد عبدالعزيز محسن
د. وليد عبدالعزيز محسن
التعليم كمكوِّن استثماري في الاقتصاد الوطني
السبت 11 مارس 2023

عندما يتم استخدام الثروة في نشاط ما بهدف الحصول على المزيد من العوائد في المستقبل، فإننا نسمي هذا استثماراً. ومن خلال منظومة التعليم، فإن الثروة هنا هي الثروة البشرية لدى المجتمع، والتي بالاستثمار فيها، يعود النفع بالفائدة على كامل المجتمع في المستقبل، وبهذه الطريقة تكون الموارد المستخدمة في التعليم استثماراً في حد ذاته. وعلى هذا النحو، فإن التعليم هو عملية تستمر مدى الحياة بالنسبة للإنسان سواءً كان واعياً لذلك أم لا، وهذا ما يفرق الإنسان عن غيره من مخلوقات الكون. ولكن في هذا السياق يقتصر مفهوم التعليم على التعليم الجيد الذي يمكِّن المجتمعات من تحقيق أهدافها، والذي يتألف من التعليم الأساسي (المدرسي)، والتعليم العالي (الجامعي)، والتعليم التدريبي (المهني).


ففي كثير من دول العالم، تبذل الدولة جهداً كبيراً لجعل التعليم الأساسي إلزامياً حتى سن الرابعة عشرة؛ وذلك لضمان الحد الأدنى من المعرفة والوعي لدى أفراد المجتمع، وخاصة الأجيال الصغيرة. وبعد التعليم الأساسي هناك حاجة إلى التطوير في التعليم العالي، والمهني، وأيضاً، التكنولوجي.


وفي هذا يجب أن تتضافر الجهود الحكومية مع جهود القطاع الخاص الاستثماري، والذي لا يعيبه أن يستهدف الأرباح المادية من ممارسة هذا النشاط الاستثماري، ولكن ما يعيبه هو أن يتحول يغول هذا الهدف على الهدف الأهم، وهو إعداد خريج على المستوى الفكري والعلمي يتساوى مع أقرانه من الخريجين على مستوى العالم.

بالنسبة لي كأستاذ جامعي، دائماً ما أواجه صعوبات مع طلابي في توجيههم لعدم قصر تحصيلهم المعرفي على حفظ المادة العلمية والمأخوذة بالتلقين والدراسة النمطية، ولكن العمل على إعمال عقولهم، وإبداء وجهات النظر الخاصة بكلٍ واحد منهم في كل مسألة وموضوع من موضوعات المقرر الذي أدرسهم إياه، وأحرضهم دائماً على الاختلاف فيما بينهم في وجهات النظر، بل والاختلاف معي أنا أيضاً فيما أدرسهم من معلومات نظرية وممارسات عملية. الهدف الرئيس من هذا كله هو خلق العقل النقدي وتدريب الطلاب على التحليل والاستبيان؛ لاستخراج النتائج بأنفسهم، عوضا عن استخدام الحلول الجاهزة المقولبة والمعلبة سلفاً!


كثيراً ما يفاجئني طلابي باستجاباتهم المدهشة لهذه الممارسة وقدراتهم على الانخراط في المناقشات الصفية والعمل الجماعي والتشاركي بشكل يدعو حقاً للفخر والثقة في مستقبل تعليم أفضل. ولكن على الجانب الآخر، فهناك لا يزال قطاع واسع أيضاً من الطلاب لا يتجاوب مع هذه الممارسة، ولا يزال يفضل عليها طريقة التلقين والحفظ لتجاوز الامتحانات والحصول على العلامات العالية، حتى وإن تبخرت جميع هذه المعلومات على باب الخروج من الامتحان! من هذا المنطلق أرى أنه يجب أن تكون آلية التعليم النقدي متبناة ومطبقة في مستويات التعليم المبكرة لأبنائنا من مرحلة الروضة والابتدائي، وحتى المرحلة الثانوية. بهذا الشكل، يلتحق الطالب بالجامعة وقد غُرس بداخله القدرة على التفكير النقدي والتحليلي وتقديم العروض الشفهية بطريقة مليئة بالثقة في النفس والتمكن من آليات نظرية المعرفة. فقط بهذه الطريقة نستطيع أن نجني ثمار هذا النوع من الاستثمار، والذي هو استثمار مضمون ومستدام طالما تم الأخذ في الاعتبار قواعد اللعبة بشكل جيد، وهذا الذي تم العمل عليه بكافة الدول التي حققت طفرات علمية، تلتها طفرات اقتصادية واجتماعية وتنموية.

* أستاذ مشارك بكلية إدارة الأعمال - جامعة البحرين

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .