العدد 5140
الخميس 10 نوفمبر 2022
banner
رشيد الحلواني
رشيد الحلواني
حِكم والدي
الخميس 10 نوفمبر 2022

انتهى العام الدراسي بنجاح، فانتقلت حينها إلى صفّ الثاني متوسط، ومع بداية الصيف، ناديت ملذات الأرض أن أقبلي إليّ، وخاطبت ذراع الكسل أن احضنّي وضمني إلى صدرك لأستمتع بإجازتي الصيفية وأشحن طاقتي وأنسى أجواء الدراسة والامتحانات وأخوض في غمار الراحة والاسترخاء!
إلا أن والدي كانت له وجهة نظر أخرى وخطط لم تخطر على بالي، حيث أخذني من يدي إلى اثنين من أعمامي اللذين يتشاركان في ورشة إعادة طلاء السيارات وحدادتها لأعمل معهما، مما شكل لي صدمة حقيقية وجعل مخططاتي تذهب أدراج الرياح، فسألت نفسي حينها بتذمّر لماذا أتعلم؟ أليس لكي أصبح طبيبا أو مهندسا؟ فمالي ومال طلاء السيارات؟
حاولت التهرب والمماطلة والتأخير لعل والدي يقول لنفسه لا أمل منه ويتركني أستمتع بإجازتي الطويلة، لكنه كان شديد الإصرار على تنفيذ مخططه؛ لذا جعلني أقضي صيفية في ورشة الطلاء، وأخرى في ورشة النجارة الخاصة بأعمامي الآخرين!
لم أفهم الدرس وقتها، كنت أقاوم الفكرة وحاولت مرارا الامتناع عن العمل مع أعمامي، لكنني لم أستوعب العبرة أو الحكمة من وراء ما حصل إلا حين كبرت، فتصرف والدي تمخّض عنه ثلاث حِكم، الأولى: أنه لا مكان للكسل وإن كان لابد من الشحن فعليّ بوضعية الشحن السريع، والثانية أنه لا توجد مهارة بالحياة تتعلمها إلا وسوف تعود عليك بالنفع وهذا ما أيقنته لاحقا عند تأسيس شركة جي بي أس وتعاملي مع متعهدي البناء! فلم أغلب والحمد لله، وأما الثالثة، فهي التواضع واحترام جميع المهن وعدم التكبر على أي عمل بدءًا من الكنس وأعمال التنظيف، فهذه كانت مهمتي عندما بدأت مع أعمامي.
أيضا من حكم والدي أنني عندما كنت أقوم بشيء ويعود علي بالضرر، فقد كان يقول لي المثل الشهير “يداك اوكتا وفوك نفخ” بمعنى تحمل نتائج أعمالك؛ فصرت أدقق بأعمالي حتى لا أنفجع بحصاد قاحل.
حكم والدي كثيرة ومتشعبة وتتعلق بأمور حياتية كثيرة من ضمنها موضوع القراءة، فقد كان يقول لي إذا اشتريت كتابا واستفدت منه بجملة واحدة، فقد أستحق ثمنه ولأنها من أجمل الحكم، قرأت الكثير من الكتب المملة واستمررت بالقراءة لتذكري تلك الحكمة، وبالفعل وجدت العديد من الجمل والحكم المندسة بين مئات الصفحات وقد غيَّرت منظوري في بعض النقاط وساعدتني في تطوير نفسي.
وعندما كنت أستغرب من اختلاف الأذواق، كمن يحب سيارة معينة وآخر لا تعجبه، أو من يتلذذ بطبق طعام معين وآخر لا يستسيغه، فكانت إجابته “الناس فيما يعشقون مذاهب”.
وكان يكرر على مسمعي مقولة بالشعبي (اللبس يعلم المشي والمال يعلم الحكي) بمعنى أن اللباس الحسن وامتلاك المال عنصران مهمان؛ لتعزيز الثقة في النفس وكان يقصد أنهما مهمان، ولكن ليسا كل شيء.
هذه بعض من حكم والدي، قد نظن جميعا أن زماننا مختلف وأننا اهل مكة وأعلم بشعابنا من كبرنا، ولكن اعلم أخي القارئ أن صفحات التاريخ تعيد نفسها، لكن بشخصيات وزي جديد؛ لذا وجه صحن أذنيك إلى الكبار في عائلتك واستمع إلى كلامهم لعلهم يشاركونك بعصارة خبراتهم.
شكرا لك يا أبي وأستاذي ومعلمي عدنان الحلواني، وأشكر الله على وجودك في حياتي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية