العدد 5122
الأحد 23 أكتوبر 2022
banner
المقارنة المرجعية
الأحد 23 أكتوبر 2022

إن أجهزة القياس ومكيال الموازين تختلف باختلاف الأصناف والأشكال، فالحرارة تقاس بالترمومتر وسرعة الرياح بالأنوميتر والضغط الجوي بالباروميتر والأثقال بالكيلوجرام، وهكذا لكل منها وحدات خاصة بها، بعضها دقيقة جداً والبعض بالأطنان، وهكذا نعرف الفارق بين كتلتين والمسافة بين بعدين، وكلما كانت أدوات القياس أتقن صنعاً، كلما كانت النتائج أكثر دقةً.
الإنسان هو الكائن الوحيد بين الكائنات الذي يصعب التنبؤ بأفعاله وسلوكياته، وبالتالي ليس من السهل إخضاعه لمقياس معين أو التكهن بردود أفعاله تجاه أي فعل صادر، فالإنسان متقلب المزاج، متغير الأحوال وغير مستقر البال، كذلك تتنوع ردود الأفعال حسب العمر والجنس، فرَدة فعل الأنثى تختلف عن الذكر والأطفال كذلك يختلفون عن الكبار، بل لكل فرد ردة فعل مختلفة عن الآخر وذلك حسب نمطه الشخصي والبيئي وعوامل أخرى كثيرة، لا مجال للتنقيب عنها في هذه العجالة.
المقارنة المرجعية الداخلية هي آلية وأسلوب قياس ذاتي مبني على مرجعية تخص الإنسان نفسه وتفسر ردات فعله، فنقول مثلاً عن شخص إنه طيب وخلوق قياساً على بيئة كلهم أشرار، تماماً مثلما ينعت المدرس أحد الطلبة بأنه مؤدب في فصل كلهم مشاغبون، هنا المقياس ربما لا يكون دقيقاً، لأن المرجع المعتمد في القياس لم يكن مبنيا على حالة خاصة، إنما كانت المرجعية عامة، وهذا يحدث كثيرا أثناء الأحاديث العابرة فنقول مثلاً: كل مكان زحمة أو كل شيء غال، قياساً على حالة شعورية عامة مستحوذة علينا.
الشاهد أن زمن الاستجابة لردود الفعل تأتي وفق سيكولوجية الشعور بالذات لدى كل شخص، فالمحصلة من سيكولوجية الشعور وزمن الاستجابة هي المؤشر القياسي المطلوب، بشرط أن تكون التغذية الراجعة عندنا سليمة وصحية نستطيع من خلالها أن نخرج بمقارنة موثوقة ومنصفة وهي ما تُعرف بالمقارنة المرجعية.
ما أحوجنا اليوم ونحن نخوض معترك الحياة أمام كثرة المتلونين لامتلاك القدرة الذاتية للاستجابة السريعة لسيكولوجية الشعور وفق نموذج قياسي دقيق مبني على مرجعية ذاتية سليمة تفتح أمامنا منصة التداول مع المستقبل، كلما واجهتنا حالة مقارنة في مشوار حياتنا، وما أكثرها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .