العدد 4967
السبت 21 مايو 2022
banner
محطات خالدة في مسيرة الأممي الراحل كوفي عنان
السبت 21 مايو 2022

تشرّفت كثيرًا بانضمامي إلى اللجنة العليا لدرع “البلاد” للمسؤولية الاجتماعية كمستشار في اللجنه الموقرة، آملاً أن تساعد مساهمتي في تحقيق أهداف اللجنة الموقرة. وأنتهز هذه السانحة والتي تتواكب مع ذكرى مؤسس حراك المسؤولية الاجتماعية المستدامة الحديث - الفقيد كوفي عنان - الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة والذي أعتز بأن عملت تحت ريادته الفذة - فقد كان أخا وصديقا صدوقا - شرفني بعد ترجله من الأمم المتحدة في الانتساب إلى مؤسسته التي أنشأها في عام 2008 في جنيف سويسرا- تحت اسمه- لتصبح إرثًا حضاريا - لأهداف سامية ومبادئ ظل يعمل علي تحقيقها حتى وفاته في عام 2018 - تلك المبادئ العشرة والتي تضمنها ما يعرف بميثاق المسؤولية الاجتماعية. 
وقد سار قطار ذلك الميثاق حول المسؤولية الاجتماعية وتبعته العديد من المبادرات في الأمم المتحدة، وصولا لتحقيق تلك الأهداف النبيلة، ولعل آخرها أجندة التنمية المستدامة والتي كان أساسها تلك المبادئ العشر التي تضمنها ذلك الميثاق. وعودة إلى ذكرى مؤسس ما أسميته حراك المسؤولية الاجتماعية وخلفية أو تاريخ بداية ذلك الحراك. وكما هو موثق، أستذكر العام 1999 - (حينها كنت المنسق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة وممثلا للأمين العام في مملكة البحرين حين أتيحت لي فرصة حضور المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس). 
أذكر حين وقف الفقيد كوفي عنان في ذلك المنتدى مخاطبا رجال الأعمال وكان حضورهم بالمئات ومن كل أصقاع الارض، وخاصة كبار رجال الأعمال والمديرين التنفيذيين لكبريات الشركات والمؤسسات المتعددة الجنسيات. وكان خلاصة خطابه في ذلك المنتدى دعوته إلى مجتمع رجال الأعمال للشراكة مع الامم المتحدة كمبادرة مشتركة، تنتج عقدا أو ميثاقا دوليا يتفق فيه الطرفان على الالتزام بقيم ومبادئ مشتركة تعكس الوجه الإنساني للسوق العالمي، كان لهذه الكلمات صدى واسعا في كل دول العالم، ويعود الفضل لذلك الصدى إلى كفاءة استراتيجيات الترويج لتلك المبادئ والقيم السامية والتي تنسجم وتتناغم مع كل معتقد ديني أو ثقافي لكل المجتمعات، وقد تواكب حينها كذلك مع مفهوم التنميه البشريه ومفهوم التنميه بوجه انساني، أعقب تلك الدعوة صياغة ذلك الميثاق بكلمات لا تقبل التأويل وبمشاركة فاعلة من كل المنظومة، حيث تم إجازته وتبنيه في اجتماع رفيع المستوى في 26 يناير 2000، أثناء انعقاد الدورة الخامسة والخمسين للجمعية العامة، وقد صعقنا نحن في الأمم المتحدة بالأعداد الكبيرة من الشركات ورجال الأعمال والمؤسسات الصغيرة والكبيرة في كل أرجاء العالم الذين انضموا ووقعوا على ذلك الميثاق.
الآن وبعد مرور عقدين من الزمان - لا تزال كلمات الفقيد في ذلك المنتدى في دافوس في عام 1999 تظل حية نضرة، وإذ أنقل تلك الكلمات دون تصرف:
“إن الانتشار الواسع للأسواق أصبح يفوق قدرة المجتمعات وأنظمتها السياسية والاجتماعية علي التكيف معها، ناهيك عن توجيه المسار الذي ترغب تلك المنظومة السياسية والاجتماعية أن تقوم بها.. ويعلمنا التاريخ أن مثل هذا الخلل بين النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لا يمكن أن يستمر دون قيام قوة من تلك النظم بعملية أو فرض التوجيه أو الاصلاح. لعل ذلك سيجعل الاقتصاد العالمي هشا وعرضه لردود فعل قد تكون عنيفة مما يمس بالمذاهب في عصرنا كالحماذية والقومية والشعبية والشوفونية العرقية والتعصب والارهاب”. 
وخلال ولاية الفقيد وتحت قيادته، كثفت الأمم المتحده ووكالاتها وأفرعها المختلفة جهودها لتفعيل ذلك الميثاق وأهدافه العشرة والتي تشتمل على مجالات حقوق الانسان والعمل والبيئة والحوكمة وحكم القانون ومحاربة الفساد..الخ. وأصبح البعد الانساني بعدا اساسيا في استراتيجيات بل وممارسات عالم الاعمال، بل وكما هو موثق لعب الفقيد دورا محوريا في السنوات الاخيرة من ولايته في تحديث حراك المسؤولية الاجتماعية في الامم المتحدة - خاصة في مبادرة مشهورة — قام حينها بدعوة كبار المستثمرين الدوليين وملاك الأصول الكبيرة إلى تبني دمج العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة في صنع القرار في مؤسساتهم، بل قام في ابريل 2006 بإطلاق تلك المبادرة باسم (المبادئ المدعومة من الامم المتحده للاستثمار المسؤول) في بورصة نيويورك الشهيرة في الولايات المتحدة الأميركية. وقد كان إطلاق تلك المبادئ حدثا كبيرا في أوساط مجتمع الاعمال في العالم، ودون شك فإن ذلك قد مهد الطريق أمام التطور الكبير في المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان، والتي أصبحت تلك المبادئ التوجيهية المعيار الذهبي في هذه الحقبه الحرجة التي نعيشها اليوم، فاليوم تجذرت العديد من المبادرات وغيرها من المواثيق حول العالم والتي تستمد رؤاها
من تلك المبادئ، ولعل رحلة أهداف التنمية المستدامة بذلك الزخم في مسيرتها ومرورها بالعديد من المحطات، كمنتديات الخبراء والموتمرات الاقليميه والدوليه وغيرها، ذلك الزخم أو المخاض الذي ولد في رحم الجمعية العامة للأمم المتحدة قد استلهم من تلك المبادئ المشار إليها، إلى أن تم تبني تلك الأجندة أو أهداف التنمية المستدامة في عام 2015 والتي التزمت الدول بملكيتها والعمل جميعا على تحقيقها بحلول عام 2030 دون تخلف أحد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .