العدد 4785
السبت 20 نوفمبر 2021
banner
طه حسين وقرينته سوزان
السبت 20 نوفمبر 2021

لم تكن معركة “في الشعر الجاهلي” التي خاضها طه حسين في عشرينيات القرن الماضي ضد مكفريه وانتصر فيها قضائياً نهاية الحروب التي استهدفته، فقد أجبره خصومه بعدئذ من مختلف المنابت على جره لمعارك شتى، ففي الثلاثينيات فُصل من الجامعة كأستاذ وعميد لكلية الآداب، ثم أعيد ثانية إليها، وفي عام 1950 عُيّن وزيراً للمعارف، واستمر في منصبه حتى يوليو 1952، والحق ما كان لعميد الأدب العربي أن يصل إلى ما وصل إليه من قمم في الفكر والأدب والثقافة والسياسة لولا ما كان يتمتع به من حياة زوجية سعيدة مستقرة مع زوجته الفرنسية سوزان بريسو، لكن كعادة معظم الكتّاب العرب، فإنهم إذا ما عجزوا عن مواجهة خصومهم فكرياً، أو تملكتهم الغيرة من قامة فكرية ما، لجأوا إلى النيل من حيواتهم الشخصية، وهكذا لم تسلم قرينته سوزان من الهجوم عليها وتشويه سمعتها سواء خلال حياتهما أو حتى بعد مماتهما. 
وما يتناساه مثل هؤلاء الكتّاب أنه لولا هذه السيدة الأوروبية المتحضرة لربما ما وصل العميد إلى ما وصل إليه من مراتب شامخة في الفكر والثقافة والأدب، يكفي أنها وافقت على الزواج منه والإقامة معه في بلده مضحية بوطن أهلها وقومها فرنسا، وبما تمثله لها من كل تقدم وحضارة وحرية، وحينما بادلته الحُب كانت صادقة في حبها بكل جوارحها وعواطفها، متسامية في ذلك على الحواجز التي أثارتها أمها متهمة إياها بالجنون؛ كونه ضريراً ومسلماً وأسمر غير فرنسي، لكن أقنعت عائلتها في النهاية بصدق مشاعرها نحوه ورجاحة عقلها في اختياره، فباركت زواجهما في إحدى كنائس فرنسا. والحق يصعب التكهن مسبقاً كيف ستكون حياة العميد الزوجية لو لم يحظ بهذه الزيجة مع كل الظروف الاجتماعية المحيطة به في مصر كرجل كفيف، فقد وقفت معه سوزان في السراء والضراء طوال حياتهما الأسرية، لاسيما خلال سني مرضه الأخيرة، وصُدمت أيما صدمة لحظة وفاته في 28 أكتوبر 1973 وهو في فراشه على مقربة منها، وعبّرت عما كانت تكن له من محبة عميقة صادقة طوال حياتهما الزوجية في كتابها “معك”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية