“متوسطة الإمام الشافعي” بالخُبر أعطتني أول فرصة في الإخراج والتمثيل
المسرح السعودي.. ضوء ساطع ودعامة أساس للمسرح العربي
درست المرحلة المتوسطة في الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في بداية الثمانينات، إذ كنت مقيما عند عمتي أم طلال (رحمها الله) في مدينة الخبر، وبطبيعتي كنت مهتما بتقديم الفقرات الإذاعية القصيرة في الطابور الصباحي بمدرسة الإمام الشافعي المتوسطة. وذات يوم وتحديدا في العام 1984 اقترحت على أحد الأساتذة الأعزاء وكان يمتلك رصيدا أدبيا عظيما، تقديم مسرحية من فصل واحد بعنوان “الشباب والإجازة”، تتحدث عن الالتزام والأخلاق وكيف يجمع الإنسان في نفسه بين اتجاهين متصارعين متعايشين داخل نفسه، مسرحية فيها رسائل قصيرة وممتازة تفيد الطلبة، فعرض الموضوع على مدير المدرسة وحصلنا على الموافقة الفورية، على أن نعرض المسرحية بعد أسبوعين على صالة المدرسة.
انتابتني في ذلك الوقت خيالات وأحلام ومخاوف؛ لأني كنت المؤلف والمخرج، وكانت مواجهتي الأولى مع الجمهور من خلال عملي الهاوي، واكتفى مدرسي باختيار الممثلين من الطلبة الموهوبين والإشراف العام، واكتشف، كما قال لي، طلبة ولدوا ليمثلوا على خشبة المسرح وبإمكانهم حمل المشاعل على طريق المسرح، وعرفنا هذه الحقيقة في “البروفات”. وعلى الرغم من بساطة النص وطبيعة الكتابة، إلا أنني دهشت بالأداء التمثيلي الذي امتاز به زملائي في المدرسة، وعندها قررت أن أضيف دورا بسيطا لي شخصيا لمشاركتهم متعة التمثيل.
لم تكن في مسرحيتنا تنقلات زمانية ومكانية، وكان أسلوبي في الإخراج، وهي التجربة الأولى وأعطتني مزيدا من الجرأة ومزيدا من الانطلاق وأنا في سن الـ 16 عاما، أسلوبا بسيطا قبل أن أتمرس الأساليب التقليدية في الإخراج وأكتسب الخبرة من خلال احتكاكي بالجمهور، واقترح عليَّ الأستاذ حينها أن أجعل من خشبة المسرح رمزا لكل ما في الحياة، وبعد سنوات طويلة علمت أن ما قدمناه كانت مسرحية تعبيرية.
أسرد تلك القصة لأن مدرسة الإمام الشافعي المتوسطة بمدينة الخبر بالمملكة العربية السعودية أعطتني أول فرصة في الإخراج والتمثيل المسرحي، وأنا لم أتجاوز 16 عاما، ويعود الفضل إلى أستاذي “لم أعد أذكر إلا اسمه الثاني جمعة”، ومدير المدرسة خالد إبراهيم الفضلي، فهما من زرعا بذرة عشقي للمسرح ومن ثم خرجت إلى عالم أوسع.
اليوم تربطني علاقات وطيدة مع الكثير من إخواني من رموز الفن والمسرح السعودي، مثل الفنان عبدالمحسن النمر، والفنان إبراهيم الحساوي، والفنان بشير غنيم، والفنان خالد سامي، والفنان العزيز فهد الحارثي وغيرهم. وكلما نلتقي في المهرجانات المسرحية الخليجية والعربية، نتحدث بشغف عن المسرح وجذوره المغروسة في أعماق التاريخ الحضاري للأمة العربية.
بدايات المسرح السعودي
في العام 1960 بدأت أولى محاولات المسرح العربي في السعودية، على يد الشيخ أحمد السباعي، إذ قام بتأسيس فرقة مسرحية في مكة، وأنشأ معها مدرسة للتمثيل سماها “دار قريش للتمثيل الإسلامي”، وبدأت الاستعدادات للقيام بأول عرض مسرحي، غير أن الظروف حالت دون ذلك وأغلقت دار العرض. ظل المسرح العربي في السعودية ذا طابع مدرسي، إذ إن كثيرا من العروض المسرحية كانت تقدم على مسارح المدارس، وبالطبع فإن العنصر النسائي لم يكن موجودا. إلا أن هناك بعض الخطوات التي من شأنها تحريك المسرح العربي في السعودية وتنشيطه، تمثلت هذه الخطوات في أمور عدة، منها: تأسيس جمعية الفنون الشعبية العام 1970، إنشاء قسم الفنون المسرحية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب العام 1974، قيام الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون برعاية الآداب والفنون من العام 1973.
كما أن الدراسات تشير إلى أن الشاعر حسين عبدالله سراج هو أول من أوجد المسرحية الشعرية السعودية، إذ كان ناضجا في التأليف المسرحي بفضل معايشته لأدباء مصريين لهم باع في هذا المجال أمثال أحمد علام ومحمود تيمور وعزيز أباظة، فهو مؤلف المسرحية الشعرية “الظالم نفسه” العام 1932، ومسرحية “جميل بثينة” العام 1943، ومسرحية “غرام ولادة” العام 1952 ثم صدر له أيضا “الشوق إليك” العام 1974.
كما أن الدكتور عصام خوقير يعتبر من رواد المسرحية النثرية السعودية وهو أشهرهم، فقد كتب مسرحية بعنوان “الدوامة” العام 1380هـ، ثم عرف الجمهور بمسرحيته الثانية “السعد وعد” وقد حولت فيما بعد إلى مسلسل تلفزيوني.
ويقول ناصر الخطيب في كتابه “مدخل إلى دراسة المسرح في المملكة العربية السعودية”: إن الدكتور عصام خوقير قد ذكر أنه “حين كتبت هذه المسرحيات لم يكن المسرح فنًا مقروءًا، وكانت الكتب التي تقرأ هي الدواوين والقصص وبعض الروايات ولهذا أردت أن أجعل من المسرح فنا أدبيا ككل الأجناس الأدبية الأخرى في الأدب السعودي”.
بعد تلك البدايات المتعثرة للمسرح السعودي كان لوزارة المعارف دور بارز في إيجاد المسرح مع غيره من مناهج التعليم وكانت مكة المكرمة هي البداية والانطلاقة الحقيقية، وقد أرخ لذلك إبراهيم الحجي في مقال له بجريدة “الجزيرة” العام 1405هـ: “بدأ المسرح في مكة المكرمة بداية أكثر إيغالا في الزمن من وقت المسامرات الأدبية وكانت ثانوية الرياض لديها مسرح يمارس الطلاب التمثيليات فوقه ويلقون كلماتهم وقصائدهم الشعرية. وبجانب ثانوية الرياض كانت توجد المعاهد العلمية وكلية الشريعة التابعة للمفتي الشيخ محمد بن إبراهيم ومعهد الأنجال الذي يطلق عليه الآن معهد العاصمة”.
المسرح السعودي اليوم زادت قدراته وتفوقه على الكثير من المسارح في الدول العربية، وتزايدت معها تحقيق الجوائز في مختلف المحافل ونجح فنيا وشعبيا وخرج جيل من المثقفين المسرحيين، وأصبح بفضل الدعم ضوءا ساطعا في مسيرة الفكر العربي ودعامة أساسا للمسرح العربي.