استغلت جماعات الإسلام السياسي مشهد الفوضى إبان الخريف العربي لتقدم نفسها للشعوب العربية كبديل للأنظمة السياسية البائدة، وتتقلد مناصب مهمة وحساسة في المشهد السياسي الجديد، ففي دول كمصر والسودان وتونس وليبيا نجحت هذه الجماعات وبدعم خارجي من أن تختزل النظام السياسي في أجنداتها بعد أن طوعتها لخدمة أهدافها.
مصر استطاعت الخروج من عباءة هذه الأنظمة بعد فترة وجيزة، فعلى الرغم من قوة هذه الحركات في القاهرة تحديداً، إلا أن الشعب المصري يمتلك من الثقافة والوعي السياسي ما مكنه من كشف زيفها، فقد قلبت ثورة المصريين الطاولة على تلك الجماعات، ما أجبر دولا كانت تحارب مصر بضراوة بدعم هذه الأحزاب للتسليم بواقع أفول نجم الإسلام السياسي في مصر ومهادنتها، كما أن حنكة وخبرة وسرعة التحرك من قبل دول كدول الخليج استطاعت أن تجتث هذه الجماعات التي حاولت أن تستغل الخريف العربي من جذورها ليوضع لها حد حاسم قبل أن تتوغل وتنتشر في المجتمعات الخليجية.
دول أخرى احتاجت مددا أطول لكشف زيف وحقيقة أهداف وغايات هذه الجماعات، خصوصاً بعد أن تمكنت من التغلغل في مفاصل هذه الدول، ففي تونس التي كانت تعتبر من أهم وأكبر المعاقل الأخيرة للجماعات الإسلامية في الوطن العربي لما لها فيها من نفوذ كبير، خصوصاً بعد أن سيطرت على البرلمان وكسبت رأس السلطة التنفيذية، استطاع الرئيس التونسي بعثرة أوراقها أو بتصوير أبلغ حرق قيس سعيد أوراق الحركات الإسلامية بعد سلسلة من الإجراءات المستندة للدستور التونسي، خطوات الرئيس سعيد خلخلت الأساس الذي كانت تبني عليه هذه الجماعات بنيانها، وسارع في تداعيها، ما يدل على أنها بداية الفصل الأخير من قصة تمدد هذه الأحزاب.
في ليبيا مازالت هذه الجماعات تنازع وتتشبث بآخر فرصها تارة من خلال تغيير مسماها الحزبي، وتارة أخرى من خلال التهديد بعرقلة انتخابات ديسمبر المقبلة، فجماعات الإسلام السياسي في ليبيا استقرأت مؤشرات الرأي للشارع الليبي التي تدل على انخفاض شعبيتها واستحالة فوزها، ما دفعها لعرقلة ورفض الانتخابات حتى قبل أن تقام.