العدد 4631
السبت 19 يونيو 2021
banner
الجماعات الراديكالية المتحورة
السبت 19 يونيو 2021

أميل دائماً للانفتاح على جميع الآيديولوجيات والأفكار التي يتبناها الأفراد أو حتى الجماعات والأحزاب المختلفة، فشخصياً أمتلك قناعة تسمح لي بتقبل أية آيديولوجيا أو عقيدة فكرية، ذلك أنه من عدم الإنصاف رفض ما يؤمن ويعتقد به فرد آخر فقط لأنني أختلف ولا أتفق معه أو لا أؤمن بما يؤمن به.

وفي ضوء ذلك دائما ما يستهويني البحث والقراءة أو حتى النقاش مع معتنقي الأفكار، إلا أنه مع مرور الوقت أصبح الأمر مقننا لدي، فقد أيقنت أن بعض الحركات القائمة على آيديولوجيات معينة يصعب على الإنسان السوي والعاقل تقبلها مهما بلغ به الانفتاح، وهي بطبيعة الحال الحركات القائمة نفسها على عدم تقبل الآخرين، والتي عادة ما تنتهج النهج العنيف والحراك المسلح لفرض نظريتها على المجتمع، حيث تقوم هذه الجماعات على رفض كل من يختلف معها، تلك هي التيارات التي يطلق عليها “الجماعات الراديكالية” أو “الجماعات المتطرفة” التي يقترن اسمها في مجتمعاتنا للأسف بالإسلام، وهي في المجمل معروفة للجميع، حيث إن أهدافها وأساليبها معلنة وغير مخفية، ما جعل تمييزها أمرا ليس صعبا لدى أصحاب العقول النيرة والفطرة البشرية السوية.

إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في تلك الجماعات التي تتبنى آيديولوجيات قائمة على التخفي الميكافيلي، فعلى الرغم من أنها تقوم على رفض جميع الأفكار التي حولها باطنياً، إلا أنها لا تمانع التعاون معها في مرحلة تصب في صالحها في محاولة منها لتمرير أجنداتها وأفكارها بطرق غير عنيفة، فعلى العكس من الحركات الراديكالية الكلاسيكية تعتمد هذه الفئة على القوى الناعمة القائمة على التغلغل وسط المجتمعات بهدف كسب قاعدة عريضة من التأييد الشعبي عبر تغييب المنطق أو تغليف العقل بمبررات – ومنطق - يصعب على الفرد العادي تمييزها، خصوصاً أنهم استطاعوا تطويع الإسلام بطريقة ذكية جداً لخدمة أهدافهم وسياساتهم.

وجودهم حولنا أصبح واقعا، فهو أقرب مما نتخيل، حيث يكمن خطرهم في أنهم متغلغلون ومتواجدون حولنا دون أن نعي أنهم يحاولون التأثير علينا واستمالة عقولنا في سبيل الانضمام لأحزابهم، أو على أقل تقدير التعاطف معهم، ذلك ما يجعل تحييد خطرهم أكثر صعوبة من تحييد خطر الجماعات الراديكالية الكلاسيكية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية