+A
A-

انتظار الالهام

قبل أن تصدر كتابك الأول، هل سألت نفسك إن كنت تريد أن تصبح " كاتبا "؟ . أم أن الأمر كان مجرد تجربة، أو نشاط تحب ممارسته في وقت الفراغ ؟

إن كنت تجيب بـ " نعم " - على السؤال الأول - اذن فلا تنتظر الالهام، فهو لن يهبط دائما . أن تصبح كاتبا يعني أن تلتزم بالكتابة. أن يكون لك وقت محدد كل يوم لتكتب فيه . نعم ، قد لا يحدث أن تضيف جديدا لكتابتك في كل يوم ، وقد تستجد أمور تستدعي تغيير روتينك في بعض الأوقات، ولكنك تعود إليه بعد حين : وقت محدد للكتابة ، لا يقاطعك فيه أحد. بعدها وكأن شيئا ما يحدث .. ويألف " الالهام " أن يأتي إليك في الوقت المعتاد ،كل مرة أو في أغلب الأيام على الأقل !! . تطيعك ارادة الكتابة في الوقت المعتاد لأن العمل يولّد العمل ، بل إنك هكذا تصبح أكثر استعدادا لتلقي " الوحي " أيضا في أي وقت اضافي آخر ، ما يعني .. مزيدا من الكتابة.

أن تنتظر الالهام لتبدأ هو فعل سلبي . أن تحاول البدء من دونه هو فعل مبادرة . وانتظارك الالهام يعني أنك فقط ، تساير الحياة ، لا تفرض عليها ارادتك ! . أنك كاتب بالصدفة ، لا بمحض الارادة ، أو أنك غير جاد تماما في أن تكون " كاتبا "

لا يعني ذلك أن كاتب " الالهام " لا يمكنه أن ينجح ، ولا ينتقص ذلك شيئا من موهبته. كما لا يعني أن الملتزم بالكتابة كل يوم سيكتب دائما أفضل ما عنده  . هناك احتمال لأن يتحول كاتب كل يوم إلى " ماكينة " تطبع الكلمات بلا تذوق  ربما ! ، وهو ما يخشاه كثير من أنصار كتابة الالهام . ولكن احتمال حدوث ذلك هو مثل احتمال عدم مجيء الالهام الذي ننتظره، لسنوات  أو إلى الأبد ! . على أن مشكلة الكتابة الآلية يمكن حلها بالانتباه والتركيز .. أما اعتمادنا على مجيء الالهام فيُضعِف ، مع طول انتظاره ، قدراتنا الأدبية ويفقدنا المرونة والتأهب.

دعونا ، اذن ، نفهم الالهام بشكل آخر، دون أن نبالغ بتضخيمه ،  لنقل أنه تعبير مناسب نصف به حماسنا للعمل . وقد يكون حينا ، الخطوة الأولى و " الشرارة " التي تساعدنا على النهوض بمشروع أدبي جديد ؛ ولكنه ليس كل شيء فيما يتعلق بالكتابة . بل إن اعتمادنا ، طوال مسيرتنا ، على مفاجأته لنا ، قد يكون قاتلا لنا . طبعا ، إن كنا ، وبالعودة لمطلع المقال ، نعوّل على أن نكون كتّابا "أكثر" من هواة.

إن كل ما ذكرته لا يعني أنني أنكر تماما وجود الالهام أو أجحد فضله . فغالبا ما يكون هو، بمفهومه المباغت ، أول ما يحدث لنا ونحن نكتشف شغفنا بالكتابة لأول مرة . وبالتالي، فهو ضروري جدا لكي نبدأ في تلمس سبل الكتابة لدينا واستكشاف موهبتنا ، معتمدين عليه ، في البداية ، ومتكئين على تلك المحفزات الخارجية ، كلحظات التعاطف الانساني مع قصص الآخرين أو أحاسيسنا وتجاربنا الشخصية،

ولكننا حين نشعر بأنه قد حان الوقت لأن نعتني بموهبتنا بشكل أفضل ، فلا بد أن ندرك بأنه " الالهام " أمر يمكن لأيٍ منا تهذيبه ، إن كان يملك ما يكفي  من الصبر لأن يحاول.

يقول ستندال : "  اكتب لمدة ساعتين يوميا ، بالهام أو بدونه" . نصيحة كانت ستمكنني من الانتفاع من عشر سنين من حياتي ، ضيعتها اجمالا .. في انتظار الالهام".   ​