العدد 4222
الأربعاء 06 مايو 2020
banner
إبينفرين التوتر مقابل دوبامين الرشوة
الأربعاء 06 مايو 2020

يقترن التوتّر والقلق اليومي الناتج عن الأفكار السلبية بالهروب التلقائي إلى اللذة المؤقتة والتي لا يوشك بعدها أن يبدأ التوتّر في اليوم التالي من جديد، وقد أصبح ذلك وضعا طبيعيا لا نعيش فيه فقط، بل نورّثه للأجيال وننشّئ عليه أبناءنا، بدافع إمّا أن يكون التخلّص من ألم تنشئتهم فنرغبهم باللذة، أو برغبة منا أن ينفّذوا ما نريده نحن منهم وكأننا قد أخفقنا في تحقيق أهدافنا، ونريد أبناءنا أن يصنعوا ما عجزنا عن تنفيذه، وكأنهم نحن، ونحن هم.. طبعا من حكم الجينات!

ولتبسيط المراد من هذا السياق، عندما كنا نلعب صغارا، كان اللعب بالنسبة لنا قيمة نمارسها بأشكال متعددة، وقد تكون لنا لعبة مفضّلة نلعبها كل يوم ونستمتع بها، ونسعد برفقة صديق مفضّل لنا لأنه يشاركنا في هذه اللعبة، وقد يأتي أحد الوالدين ليطلب منا القيام بعمل أو مهمّة بالنيابة عنه، هي بحد ذاتها ليست محببة بالنسبة لنا أو بالأحرى ليست بأولوية ما نحن منشغلون به من لعب ومرح وقيمة بالنسبة لنا، فنشعر بالانزعاج والتوتر وعدم مطاوعة أجسادنا بأن نخرج من اللعب الممتع إلى العمل المزعج، فيقوم الوالد برشوتنا لنقوم بما يريد إنجازه إما بإعطائنا مبلغا من المال، أو وعدا بالذهاب إلى الملاهي أو شراء بوظة أو سكاكر!

وبشكل علمي، الذي يحدث بالضبط هو عند التنشئة بهذه الصورة مرارا تصبح تلك التنشئة من الألم مقابل اللذة جزءا لا يتجزأ من برنامجنا العقلي، وعندما كنا ننزعج بالقيام بما لا نحب فإن دماغنا يستجيب لهذا الشعور المزعج بإفراز هرمون الإبينفرين من الغدّتين الكظريتين، ذلك الهرمون المعبّر عن الألم، والذي قد يظهر على شكل دموع، هذا بالإضافة إلى تأثيرات ذلك الهرمون من زيادة نبضات القلب ومعدل التنفس، وكذلك الانفعالات التي نخشى أن نظهرها من غضب، وخوف وشعور بالذنب إذا ما رفضنا الانصياع، وما يترتب على حالة عدم الانصياع! وعندما يعرض الوالد رشوته المفضّلة التي عوّدنا عليها فإن الدماغ يجد في ذلك اللذّة بالقيام بذلك العمل، ذلك عن طريق إفراز الدوبامين (الذي هو مادة الرغبة) في مسار يمر على مراكز اللذة الحسيّة في الدماغ، فتشعرنا بالتحفيز للقيام بذلك العمل.

ذلك ما جبلنا عليه في التنشئة وما نقوم به في حياتنا بشكل مكرّر من غير أن ندري، بما في ذلك من بعد عن ما نبدع فيه، وانشغالنا بما يجلب لنا هرمون التوتر الذي تخمد ألمه أدمغتنا في كل مرة بالرشوة أو اللذة المؤقتة. وذلك ما يحدث الآن عندما نجبر أبناءنا الأعزاء على الصيام، والدراسة، والمهنة، والزواج، وغير ذلك مما برمجنا عليه بلا لوم. لنعي ذلك ولنبادر إلى المكافأة والإهداء بعد قيامهم بما يحبّون وبطريقتهم هم، بدل الرشوة بالقيام بما نريد نحن منهم، فليصوموا بحب وليدرسوا ويعملوا بما يحبون وليتزوجوا بمن يريدون هم، هم من لهم القرار، لأنها حياتهم هم لا حياتنا نحن، دعوة إلى التأمل في الذات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .