العدد 4074
الثلاثاء 10 ديسمبر 2019
banner
تركيا وإيران: ماذا بعد؟ (2)
الثلاثاء 10 ديسمبر 2019

أردوغان كان وجهة توتر في اجتماع لندن سيما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دشّن اللقاءات بتصريحات مثيرة اعتبر فيها حلف الناتو في حالة “موت دماغي” داعياً إلى مراجعة الاستراتيجية وإعادة الحوار بين الحلف وروسيا، واستبعد التفاهم مع تركيا حول تصنيف الإرهاب، مُتهِماً أنقرة بالعمل مع “مقاتلين مرتبطين” بتنظيم داعش الإرهابي. أردوغان احتج واستهزأ وهدّد ورفع عصا ابتزاز أوروبا عبر قناة تدفق اللاجئين إليها، وترامب استاء من ماكرون مُعتبِراً تصريحاته حول الناتو “مُهينة ومُسيئة جداً” و”مُزرية للغاية”.

ترامب وأردوغان يتقاربان كعادتهما كلما يلتقيان، وكان لهذا التقارب وقع أكبر وسط تقوقع قادة فرنسا وبريطانيا وكندا والدنمارك للتهكم على الرئيس الأميركي. أدّى تسريب تلك الصورة والصوت إلى وصف ترامب رئيس وزراء كندا جاستن ترودو أنه “بِوجهين”، وأثار المزيد من غضب الرئيس الأميركي من حلفائه في الناتو. أما تقاربه وعلاقاته الشخصية مع أردوغان فإنها ساهمت في تراجع الرئيس التركي عن تهديده برفض خطط الدفاع عن شمال وشرق أوروبا ما لم يصنّف الشركاء الأوروبيون في حلف شمال الأطلسي المقاتلين الأكراد في سوريا “إرهابيين”.

موقع الأكراد في سوريا في المعادلات الإقليمية بات مثيراً للانتباه من عدة جوانب بعدما بدا ظاهرياً أن أردوغان حصل على مباركة ترامب لسحقه الأكراد في سوريا، فما يجري وراء الكواليس لا يؤكد وقوع انفصام أميركي – كردي كامل في العراق، بل هناك مؤشرات على تفاهمات ضمنية أميركية – كردية حول حيويّة الدور الكردي في منع مشاريع روسية لأنابيب الغاز عبر الأراضي السورية نحو تركيا.

العقوبات الأميركية المتوقعة ضد تركيا بسبب صفقة S-400 مع روسيا تتزامن مع التحوّلات في بعض المواقف الخليجيّة من سوريا ومن شقيّ تركيا وإيران في المشهد السوري، تتزامن أيضاً مع ازدياد التمدد التركي في ليبيا الذي باركه البرلمان التركي هذا الأسبوع عبر مصادقته على الاتفاقيتين بين أردوغان والسرّاج اللتين أثارتا احتجاج مصر واليونان وقبرص بالدرجة الأولى، إضافة إلى استياء نصف الليبيين من صفقات العبث بثرواتهم ومستقبلهم ومن رعاية تركيّة للجماعات الإسلامية المتطرّفة داخل ليبيا.

تفاصيل الاتفاقيتين غير واضحة لكن العناوين الرئيسية تشمل احتمال إنشاء القواعد العسكرية التركية في ليبيا، حسب التقارير، وهناك مذكرة تفاهم على تعاون عسكري وأمني وبحري واتفاق على الغاز يقطع الطريق على مشاريع اليونان ومصر وقبرص. أهمية الاتفاقيتين السياسية والآيديولوجية هي أن السرّاج قدّم إلى أردوغان أدوات إحياء مشروع “الإخوان المسلمين” في ليبيا وقدّم ليبيا إليه ساحةً لإنماء التنظيمات المتطرّفة التي تمارس الإرهاب. قدّم السرّاج إلى أردوغان واجهةً بحرية مهمّة يستخدمها الرئيس التركي لابتزاز أوروبا بسلاح تهجير اللاجئين إليها. أدخل السرّاج تركيا طرفاً في حرب أهلية ليبية وأعطى أردوغان دفّة الإملاء على شركات النفط الأوروبية التي أبرمت العقود مع الدولة الليبية، فتركيا تخوض معارك وحروب غاز، تعتبرها مصيرية، وليبيا هدية غالية قدّمها السرّاج إلى أردوغان لتخدم مشاريعه الإقليمية والآيديولوجية. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .