تعصف رياح ما عرفه بعض المحللين بالموجة الثانية من الربيع العربي بدول المنطقة في تحد جديد من قبل الشعوب للأنظمة السياسية القائمة، حيث رفع أغلب من خرج للتظاهر شعارات طالبت بإسقاط الأنظمة السياسية بعد أن فقدت الأمل في إمكانية إصلاح مكامن الخلل فيها.
ظاهرة سقوط وتهاوي الأنظمة السياسية ليست ظاهرة عشوائية، حيث إن دراسة وتحليل النظم من أهم أقسام العلوم السياسية التي اختصت بدراسة عناصرها وخصائصها وتفاعلاتها وتأثير ذلك على المستويات الداخلية والخارجية.
مقاربة ديفيد إيستون تعتبر من أهم المقاربات التي استطاع من خلالها أن يطرح نموذجاً لنظام سياسي ديناميكي ومستمر، فبشكل مبسط يشرح إيستون كيف أن النظام السياسي يتعرض للعديد من التأثيرات النابعة من البيئة الداخلية كالآيديولوجية الفكرية والمطالبات الاجتماعية دون إغفال التأثيرات الواردة من خارج بيئته كمتغيرات الوضع الإقليمي والدولي من أزمات وحروب وضغوظ، تلك ما عرفها إيستون بالمدخلات التي يتلقاها النظام السياسي والتي وجب عليه التعامل معها داخل مؤسساته التشريعية والتنفيذية في عملية تسمى بالمعالجة تنتج عنها سياسات وقرارات من المفترض أن تنعكس بشكل عادل في التوزيع السلطوي للقيم والموارد.
إذا ما افترضنا أن خللا وقع أو قصورا في معالجة المدخلات داخل أجهزة ومؤسسات النظام السياسي أدى ذلك إلى قرارات غير موفقة وذات موضع انتقاد وجب على النظام استيعابها مجدداً كمدخلات عبر عنها إيستون بما أسماه التغذية الراجعة، وهي التي تشكل ردود الأفعال والآراء حول مخرجات النظام.
إحدى أكبر مشاكل النظم السياسية العربية هو ضعف – معالجة - واستيعاب وفي كثير من الأحيان تجاهل - المدخلات - خصوصاً الداخلية منها، ما ينتج عنه سوء - المخرجات - والتي لا تتوافق مع تطلعات البيئة الداخلية المحيطة بالنظام، ما يؤدي إلى سخط الشعوب المعلن على هذه الأنظمة، هذا ما يمكن تداركه إذا ما أخذ صانعوا القرار بالاعتبار مدخلات - التغذية الراجعة - وأصلحوا أعطاب النظام، ولكن ما يحدث في عالمنا العربي هو سوء تعامل مع المدخلات في الحالتين يؤدي إلى انتفاضات وثورات شعبية تؤدي في الغالب لسقوط الأنظمة السياسية.