+A
A-

بعد انحياز عبدالمهدي للفياض .. هيكلة الحشد تقصي المهندس

رجح مراقبون عراقيون أن يكون قرار إعادة هيكلة هيئة الحشد الشعبي في العراق، استهدافاً لمنصب نائب رئيس الهيئة أبومهدي المهندس، بعدما أُسندَ إليه مهام قيادة الأركان بدلاً من منصبهِ الحالي. فيما أكدوا أن قرار الهيكلة يأتي بمثابة استعادة لسلطة الدولة العراقية على مختلف صنوف قواتها العسكرية في البلاد.

واشتد الصراع السياسي بين رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ونائبه أبومهدي المهندس، عبر تضارب الأوامر الإدارية بينهما لمختلف التشكيلات المسلحة للحشد، ما وضع القائد العام للقوات المسلحة العراقية رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي "في حرج" أمام المجتمعين المحلي والدولي.

وأصدر رئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الأمر الديواني المرقم (331)، قرر فيه أولا المصادقة على الهيكلية التنظيمية الخاصة بهيئة الحشد الشعبي، وأيضا إلغاء جميع العناوين والمناصب التي تتعارض مع العناوين الواردة في الهيكلية، كذلك منح رئيس هيئة الحشد الشعبي صلاحية التعيين بالوكالة للمناصب والمديرين في الهيئة، وعرضها على رئاسة مجلس الوزراء لغرض الموافقة من عدمها.

سيطرة حكومية على سلطة الحشد

إلى ذلك، قال الخبير الأمني هشام الهاشمي، إن عبدالمهدي "شدد على ضرورة إعداد خطة عامة لإصلاح هيكلية هيئة الحشد الشعبي ودمجها في منظومة الدفاع الوطني بحسب الأمر الديواني (237) في الأول من تموز/ يوليو 2019، وإعادة هيكلتها وتنظيمها كقوات برية ساندة للقوات المسلحة العراقية"، مبيناً أن "القائد العام للقوات المسلحة يسعى لتأسيس قرارات انضباطية تشريعية ومؤسسية تحظر بقاء أي وحدات مسلحة للحشد الشعبي داخل المدن الحضرية وإخراج معسكراته ومخازنه بعيداً عن الأحياء السكنية، وغلق مكاتبه الاقتصادية المنتشرة في مناطق عديدة داخل العراق".

ويضيف الهاشمي للعربية.نت، أن "القرار الحكومي يحقق إدارة وقيادة مشتركة على كافة معسكرات والوحدات المحتشدة بحسب الأمر الديواني (328) في 14 أيلول/سبتمبر 2019، الخاص بإعادة هيكلة القيادة المشتركة، وفرض سلطتها على كامل حركات وعمليات القوات المسلحة العراقية ومن ضمنها الحشد"، مشيراً إلى "تأمين مواقع النشاط الاقتصادي المهمة، وضبط ميزانية الحكومة العراقية الدفاعية والأمنية وفقا لما يحقق هذه الأهداف، ويقضي على الفساد القائم في بعض المؤسسات العسكرية والأمنية والحشدية".

ومن ميزات الأمر الديواني الأخير، هو "إعادة النظر في تفاصيل قانون هيئة الحشد الشعبي الصادر عام 2016، بحيث يضبط إيقاع تحكم قيادات فصائل الحشد الشعبي، واعتماد سياسات تجنيد تساهم في بناء هيئة الحشد بضوابط وطنية محترفة قائمة على الكفاءة والخبرة"، بحسب ما أوضح الهاشمي .

بناء مؤسسة عسكرية "وطنية"

وخشية تعدد الولاءات العسكرية لأغلب الفصائل المسلحة التي قاتلت تنظيم داعش الإرهابي في العراق، اعتبر قرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي "محاولة لمأسسة تلك الفصائل تحت يافطة الولاء الوطني".

ويقول الهاشمي، إن "رئيس الحكومة العراقية، بقراره الديواني، يؤسس هيكلية جديدة تجسد الوحدة الوطنية، بعيداً عن الانتماءات الحزبية، والعشائرية، والقومية، والمناطقية، والإثنية، والطائفية، وتقليص عدد الفصائل التي تطلق على نفسها (فصائل المقاومة) وتطوير ألوية الحشد نوعياً، من خلال تفعيل قانون التقاعد العسكري عليها، أسوة بقانون الخدمة في القوات المسلحة"، مشيرا إلى أن "عدد قوات الحشد بلغ 164 ألف منتسب، منهم 115 ألف منتسب، استجاب للأوامر الحكومية في توطين الرواتب، فيما الباقي لديه اعتراضات خاصة بالمعلومات الأمنية، وهذه من الإشكاليات الكبيرة التي تقف عقبة أمام تنفيذ الأوامر العليا، مع وجود شبهة بالفساد في هذا الملف".

مخالفة واضحة للقانون

ويشير الخبير الأمني العراقي إلى أن الهيكلة الجديدة "تفتح باب الاستقالة والتقاعد المبكر الاختياري، وإنهاء علاقة مزدوجي الوظيفة واستبعادهم عن ملاك قوات هيئة الحشد"، مضيفاً "إن بعض قيادات فصائل المقاومة تعاملت مع تشكيلات الحشد التابع لها كما لو كانت ملكا شخصيا له، وليست مملوكة للوطن، ولاسيما في ظلّ عدم إصدار أوامر ديوانية لتنظيم هذه العلاقة، أو لائحة تنظيمية لقوات هيئة الحشد والوحدات المرتبطة بها، بحيث بات تتكون من أكثر من ستين لواء، وهي بحجم 18 فرقة عسكرية".

وتابع الهاشمي قوله "كانت قيادات الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي، تصدر أوامر بترقية عناصرها إلى رتب عسكرية خلفا لقانون القوات المسلحة العراقية، وكذلك في مخالفة واضحة لقانون نزع السلاح ودمج الميليشيات الذي أسسه بول بريمر، لتغطية النقص الذي حصل بعد حل الجيش العراقي السابق، من دون الالتزام بالشروط القانونية للترقية"، لافتاً إلى "وجود أوامر تمنح مدنيين رتبا عسكرية ومرتبات في هيئة الحشد، وأوامر بصرف أسلحة وسيارات ومواد غذائية من مخازن الدولة العراقية".

عقيدة التشكيلات العسكرية

وأكد الهاشمي أن "كل هذه المخالفات جاء الأمر الديواني (331) لتغييرها، وإزاحة الهيكلية السابقة والتي بدأ العمل بها في نهاية عام 2016"، مشيراً إلى "استحداث هيكلية جديدة تختلف جذريا من حيث الشخصيات القيادية".

وعلى مستوى العقيدة العسكرية، يقول الهاشمي "باتت عقيدة التشكيلات العسكرية التابعة لكل من حشد الدولة (الذي ينسجم مع سياسة منظومة الدفاع الوطني العراقية) تختلف من حيث تعريف العدو والقتال خارج الحدود، عن عقيدة حشد الفصائل (وهم مجموعة عقائدية دينية أكثر انسجاما مع سياسة إيران في المنطقة)، تتركّز أهدافها على حماية المكاسب الشيعية السياسية في العراق والمنطقة تبعا لتقليدهم الديني للمرشد الإيراني علي خامنئي، على حماية هذه العقيدة من المخاطر الداخلية والخارجية".

هذا وتضمن الأمر الديواني الأخير، تعيين أمين سر عام ورئيس أركان داخل هيئة الحشد الشعبي، وترجح مصادر إسناد أحد المنصبين إلى "أبومهدي المهندس"، إذ يرتبط برئاسة الأركان خمس معاونيات، وهذا يلزم تعيين خمسة ضباط من خريجي الكليات العسكرية العراقية وفي الغالب هم من خارج هيئة الحشد.

الموقف السياسي من هيكلة الحشد

وفيما يتعلق بمواقف الفاعلين من الأحزاب السياسية الساندة لفصائل ما يسمى المقاومة (حشد المقاومة)، من إعادة الهيكلة، أوضح الهاشمي أن "تلك الأحزاب استقبلت الأمر الديواني بالهدوء على غير العادة"، مبيناً أن "المراقبين يرجحون أن تحديث الهيكلية جاء بالمشاورة مع الجنرال قاسم سليماني الذي كان في بغداد خلال الأيام الماضية".

ومن جهتها، عبرت الأحزاب السياسية للمكونين السني والكردي، والأحزاب الشيعية غير الساندة للمحور الإيراني، عن "دعمها لهذا الأمر الديواني"، بحسب الهاشمي.

تقليص نفوذ

ويضيف أن "قيادات حشد المقاومة يدركون جيداً أن إعادة الهيكلة لا تعدو كونها إجراءات تقلص نفوذهم داخل هيئة الحشد الشعبي"، مبيناً أن "توحد قوات الحشد تحت سلطة الدولة العراقية، توفر أيضاً إطاراً قانونياً لحمايتهم من إسرائيل وأميركا وحلفائها"، مستدركاً "لكنها في الوقت ذاته، تسلب منهم الكثير من السلطات والاقتصاد والمواقف السياسية".

وعن الضغوط الأميركية والغربية، تحدث الهاشمي أن "رئيس الحكومة العراقية بات واقعاً بين الضغوط الداخلية والدولية، التي تطالبه بتسريع إجراءات الهيكلة وعزل قادة حشد الفصائل من قيادة قوات الحشد"، موضحاً أن "زيارة الجنرال قاسم سليماني إلى بغداد مؤخراً، قامت على مبدأ التسوية فكان عليه إما أن يعزل أبو مهدي المهندس، وهو أمر محفوف بمخاطر عدم التزامهما بالقرار، وإما أن يبقي على القيادات والمهندس معا، ويعينهم في قيادة أقل صلاحيات وسلطة داخل الهيكلية الجديدة".

وأشار إلى أن "هذه القرارات سيجري تنفيذها دون تلكؤ، فهي توحد قوات الحشد في إطار هيكل جديد يتكون من ثلاثة فروع رئيسة: الفرع الأول هو مكتب رئيس الهيئة، ويرتبط به 10 مديريات لوجستية، و8 قيادات قتالية تنفيذية، والثانية أمين السر العام بلا صلاحيات واضحة، والثالثة رئاسة أركان بـ 5 معاونيات وهي الأوسع صلاحيات بعد مكتب رئيس الهيئة".

من جهة أخرى، اعتبر محللون استراتيجيون، أن القرار الحكومي بهيكلة الحشد الشعبي، جاء انتصاراً لمحور رئيس هيئة فالح الفياض على محور نائبه أبومهدي المهندس.

ويقول أحمد الشريفي للعربية.نت إنه "لا يخفى على أحد حقيقة الخلاف في موضوع إدارة الحشد الشعبي بين أبو مهدي المهندس وفالح الفياض، وهذا السبب الذي دعا رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أن يكون ميالاً للفياض، باعتبار الأخير أكثر هدوءاً في التعاطي مع المتغيرات التي حصلت، بما فيها ضربات مخازن الحشد، ومواضيع تشكيل مديريات داخل الحشد".

الأزمة باقية

واستدرك الشريفي بقوله: "لكن الأزمة ستبقى، وليست القضية مرتهنة بمن يتصدى لإدارة ملف الحشد الشعبي بقدر ماهية الحشد الشعبي كمؤسسة مستقلة عن المؤسستين الأمنية والعسكرية، ولديها طموحات خاصة، ولديها دور وظيفي يصنف هذا الدور الوظيفي على أنه خارج رحم الدستور"، مبيناً أن "ذلك الأمر حقيقة يثير الريية والشك لدى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في مسألة بقاء هذه المؤسسة من حيث التقييم من وجهة نظر أميركية على أنها شبه رسمية، فضلاً عن أنها بشكل أو بآخر ترتبط بتوازنات إقليمية ودولية، مما يجعلها بعيدة من حيث التقييم في الأداء عن المؤسسات الرسمية للدولة العراقية".

خصوصية الحشد

وأكد الشريفي "حتى وإن ذهب عبد المهدي في خياراته نحو فالح الفياض، فإن ذلك لا يزيل الشكوك أو الموقف السلبي تجاه الحشد الشعبي، ما لم يُصر إلى أن يسمى للحشد دوراً وظيفياً تحت جناح المؤسسة العسكرية أو الأمنية"، مبيناً أن "إخفاء هذه الاستقلالية التي في كثير من الأحيان تجعل الحشد الشعبي يعمل بمعزل عن المؤسسة العسكرية إلا بقدر التنسيق الميداني".

وزاد المحلل الاستراتيجي قائلا: "أما على مستوى قيادة هيئة الحشد، وخصوصية التشكيل وإدارة التشكيل، فمازالت قائمة، والدليل أن مسألة التعيين في الهيئة منحت لفالح الفياض، ومعنى ذلك أن هناك إصرارا متبادلا من قبل عبدالمهدي والفياض بموضوع خصوصية الحشد".