+A
A-

هل تنسحب الولايات المتحدة من المنطقة؟

بتصريحات تتنافى مع الواقع، قلل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أهمية الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، معتبرا أن بلاده "أصبحت الآن أكبر بلد منتج للنفط في العالم، ولم تعد بحاجة إلى نفط المنطقة"، فهل تنسحب أميركا بالفعل، وهل تقتصر الروابط الأميركية مع الشرق الأوسط على الملف النفطي؟.

وكان ترامب قد نشر تغريدات يوم الاثنين، قال فيها إنه "فيما يخص تهديدات إيران بإغلاق الممرات البحرية المستخدمة لنقل نسبة كبيرة من صادرات النفط من الخليج، فإن الولايات المتحدة لا تبالي بذلك الأمر".

وأضاف أن بلاده "أصبحت الآن أكبر بلد منتج للنفط في العالم، ولذلك فهي لم تعد بحاجة إلى نفط منطقة الشرق الأوسط. لا حاجة لنا حتى أن نكون هناك".

وتأتي تصريحات ترامب بالرغم من أنه أمر في مايو الماضي، بإرسال 1500 جندي إضافي إلى المنطقة، في وقت حمّل البنتاغون نظام طهران مسؤولية الاعتداءات على سفن في خليج عُمان، والهجوم الصاروخي قرب مقر السفارة الأميركية في بغداد.

وستضاف هذه القوة البشرية والمادية إلى قوة عسكرية، وصلت في وقت سابق إلى المنطقة، تضم حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن"، وقاذفات استراتيجية من طراز "بي 52".

وتعليقا على تصريحات ترامب الجديدة، المثيرة للجدل، قال الخبير الدولي في شؤون الطاقة، أنس الحجي، إنها "تعكس عدم وعي ترامب بمصالح أميركا في المنطقة".

وأضاف في حديث خاص مع موقع "سكاي نيوز عربية": "باستطاعة أميركا أن تنسحب إذا أرادت ذلك، لكن السؤال هنا هو: (هل من مصلحتها القيام بتلك الخطوة؟)".

وأوضح الحجي أنه على مر التاريخ، فإن القوى العظمى كانت دائما تحاول السيطرة على خطوط التجارة البرية أو البحرية الدولية، وكانت تسعى لحماية تلك الخطوط، وأن "هذا هو النهج الذي تتبعه أميركا، وهو ما يبرر تواجدها في كل المضائق المائية المهمة حول العالم".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستبقى حريصة على التواجد في المنطقة، نظرا لمنافستها الشرسة مع روسيا والصين.

واستطرد قائلا: "إذا انسحبت أميركا من المنطقة، فإن روسيا أو الصين ستعملان على اقتناص الفرصة سريعا وإثبات وجودهما بشكل قوي".

النفط.. "النوعية وليست الكمية"

وتطرق الحجي إلى تصريحات الرئيس الأميركي، التي قال فيها إن بلاده لديها ما يكفي من النفط، قائلا: "ترامب ركز في حديثه على الكمية وليست النوعية، معتبرا أن بلاده لديها الكمية المناسبة، لكنه أغفل أنها بحاجة إلى نوعية النفط الذي يتم إنتاجه في منطقة الخليج".

وبين "المصافي الأميركية تحتاج هذه النوعية من النفط، ولا تملك البدائل المناسبة لها، بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على فنزويلا، بالإضافة إلى أن كندا تنتج بالفعل أكبر كمية ممكنة لها من النفط، وبالتالي لا يوجد بديل عن نفط الخليج".

كما حذر من أن الانسحاب الأميركي من المنطقة سيؤدي إلى قلق سياسي، يقود إلى ارتفاع أسعار النفط عالميا.

وعلى الصعيد الأمني، قال الخبير الدولي في شؤون الطاقة، إن الحفاظ على أمن المضائق المائية لا يتعلق فقط بالتكلفة، وإنما بالازدهار الاقتصادي العالمي، موضحا ذلك بالقول: "هذا يعني أن الخير سيعم على الجميع، لأن أي كساد عالمي سيضرب الاقتصاد الأميركي. هناك منافع اقتصادية وأمنية كبيرة من استقرار المضائق المائية، واستمرار تدفق النفط بشكل آمن ومستقر".

يشار إلى أنه بالرغم من تصريحات ترامب الواضحة، فإن القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي بالوكالة مارك إسبر خرج، الخميس، بتصريحات قال فيها إن الولايات المتحدة ستتخذ الإجراءات المناسبة لحماية الملاحة في مضيق هرمز.

ونقلت وكالة "رويترز" عن إسبر، قوله: "نحن على دراية بما يحدث في مضيق هرمز، وما قامت به إيران من أعمال تخريبية في المضيق".

وناشد وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التنديد علنا بأفعال إيران المعادية، ودراسة المشاركة في خطة لا تزال قيد الإعداد، لضمان سلامة الممرات المائية الاستراتيجية في الخليج.

"أميركا.. ومخاوف الصعود الروسي"

ومن جانبه، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية، أحمد الفراج، أن تصريحات ترامب في هذا الشأن "ليست منطقية"، مبينا: "أميركا لا يمكن أن تنسحب من المنطقة لأن مصلحتها أكبر من ذلك، خصوصا في ظل صعود القوة الروسية والصينية، وتحفز القوى العالمية".

واسترسل قائلا: "أميركا لم تكن سعيدة عندما أثبتت روسيا حضورها في سوريا، فكيف لها أن تنسحب من شريان الاقتصاد العالمي، مضيق هرمز، أو منطقة الخليج عموما؟".

ونوه الفراج إلى أن منطقة الشرق الأوسط "ستظل مهمة لواشنطن بسبب مصالحها الاستراتيجية هناك. إذا انسحبت بالفعل، وحدثت أي مشكلة في مضيق هرمز، فإن إمدادات النفط ستكون أول ما يتضرر، وسترتفع أسعار الذهب الأسود إلى نحو 150 دولارا، وسيتضرر الاقتصاد العالمي ككل وليس اقتصاد الولايات المتحدة فقط".

مكافحة الإرهاب

وركز الكاتب والمحلل السیاسي صلاح الجودر،  على أهمية التواجد الأميركي في المنطقة، ضمن جهود مكافحة الإرهاب، حيث صرح لموقع "سكاي نيوز عربية": "هناك مصالح دولية تتقاطع مع أميركا في المنطقة، ومن المهم لها أن تبقى حاضرة لدعم جهود مكافحة الإرهاب هناك".

واختتم بالقول: "القضية لا تتعلق فقط بالنفط ومدى حاجة أميركا له، وإنما بجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، فمثل هذا التصريح يدفع الجماعات الإرهابية للاستمرار والتكاثر، مما يهدد بتفشي الإرهاب في أوروبا وأميركا".