العدد 3787
الثلاثاء 26 فبراير 2019
banner
“التنمية المستدامة”... بين طموح المسؤولين وغموض المصطلح
الثلاثاء 26 فبراير 2019

رغم الانتشار السريع لمصطلح “التنمية المستدامة” منذ بداية ظهوره وحتى الآن، إلا أن هذا المصطلح مازال غامضا لدى البعض، ومازال يفسر بطرق مختلفة من قبل البعض الآخر، ومازال كثيرون لا يدرون فائدة التنمية المستدامة عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر.. كيف تصب

في مصلحتهم سواء كانوا مواطنين عاديين، موظفين، مسؤولين، تجارا أو غير ذلك؟ لقد استحوذ موضوع “التنمية المستدامة” على اهتمام العالم خلال السنوات الماضية وخصوصا على مستوى متخذي القرار، وذلك على جميع الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، حيث أصبحت “التنمية المستدامة” مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالم النامي والمتقدم على حد سواء، تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها، وعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات. وسنحاول شرح هذا المصطلح لعموم القراء الكرام، بعد أن بات يغزو أجندتهم اليومية، وسنسعى جاهدين إلى تفسير آلياته، وتفنيد أدواته، وشرح أهدافه، ولعلنا نعود بالسنوات قليلا للخلف حتى نستطلع منشأ هذا المصطلح.

ظهر مفهوم التنمية المستدامة، بقوة أواخر القرن الماضي ليحتل مكانة مهمة لدى الباحثين والمهتمين بالبيئة وصناع القرار ويعود هذا الاهتمام إلى الضغوط المتزايدة على الإمكانات المتاحة في العالم المتقدم ودول العالم الثالث، لكن في حقيقة الأمر كان النمو الديمغرافي والتنمية الاقتصادية من جهة واستعمال الموارد البشرية من جهة أخرى أهم الظواهر التي لازمت البشرية في تطورها، وعرف مفهوم التنمية تغيرات عبر الزمن حيث اختلف الاقتصاديون في تحديد مفهوم التنمية، في حين أن البنك الدولي يضع تصورا آخر للتنمية حيث يصنف العالم وفقا للدخل الوطني الإجمالي للفرد على أساس أربعة معايير، هي: الدخل المنخفض، المتوسط، العالي، الأعلى، غير أن هذا المقياس مشكوك في مصداقيته فهناك عدد من الدول تنعم بالدخل الفردي المرتفع لكنها تتميز بسوء توزيعه مما يفرز الفقر والبطالة، مثل البرازيل في نهايات القرن الماضي،

حيث كان معدل النمو السنوي في الناتج الوطني الإجمالي 5.1 % من سنة 1960 إلى 1981، أما الدخل الوطني لـ 40 % من الفئات الفقيرة من السكان فقد انخفض خلال الستينات من 10 % إلى 8 % بينما ارتفعت حصة 5 % من الأغنياء من 29 % إلى 38 %، باختصار إن الاقتصاديين عاملوا التنمية في الماضي على أنها قضية لا تزيد عن كونها أكثر من تدريبات وممارسات وتطبيقات في علم الاقتصاد التطبيقي منفصلة عن الأفكار السياسية، واستبعدوا دور الأفراد في المجتمع، وبالتالي فإن النظرة التقليدية للتنمية ركزت على القضايا التنموية وأغفلت جوانب لها دور جوهري في حياة البشرية حاضرا ومستقبلا، أي أن الإمكانيات المتاحة لا يمكن تسخيرها للأجيال الحاضرة فحسب، بل يجب التفكير في كيفية استفادة أجيال المستقبل أيضا.

إن تعريف موسوعة “ويكيبيديا” للتنمية المستدامة هو الأقرب من وجهة نظري للفهم الصحيح لهذا المصطلح، وقد قال التعريف إنها “عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها، ويواجه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه مع عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتماعي”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .