العدد 3273
السبت 30 سبتمبر 2017
banner
بغداد تعاقب الإقليم
السبت 30 سبتمبر 2017

بغداد على ما يبدو أخذت ترسم لمسارها السياسي والاقتصادي والأمني في تعاملها مع إقليم كردستان العراق منهجا جديدا، وبخطوات جدية هذه المرة، خلاف جميع المرات السابقة منذ 2003، وفقا لما جاء من قرارات للمجلس الوزاري للأمن الوطني ومجلس النواب، فضلا عن تصريحات رئيس الحكومة حيدر العبادي التي امتزجت فيها لغة الدعوة للحوار مع لغة التلويح بالعنف، خصوصا بعد التخويل الذي منحه له البرلمان، وألزمه بنشر القوات العراقية في مناطق النزاع ومنها كركوك وخانقين وغيرها، ولكن ربما لا يوازي الأمر الخطوات العملية التي اتخذتها حكومة الإقليم وتمسك مسعود البارزاني الذي رفض جميع القرارات والوساطات والنصائح الدولية، وأصر على إجراء الاستفتاء في موعده وبالفعل نفذه.

وحيال هذه الإشكالية التي أوصلت حدة النزاع إلى مستوى نسمع فيه لغة الدم في بعض التصريحات، وتمترس كل طرف بما يملك من مقومات مواجهة الآخر في وقت هبوب رياح العاصفة التي لا نستبعد أن تتطور إلى حد الصدام والمواجهة وعلى وجه التحديد في كركوك التي تتميز بطبيعة استراتيجية سياسية واقتصادية، جراء توفر النفط والغاز والكبريت فيها بكميات واعدة، وربما تشتعل هذه الحقول والآبار في حال غابت الحكمة والإرادة الوطنية والعقلانية لدى أصحاب القرار، وسنحت الفرصة للأطراف الخارجية “أميركا وإسرائيل” بإذكاء العنف بين الجانبين. وبلا شك فإن الطرف الأميركي الآن يتفرج بخبث رغم إعلان دعمه وحدة العراق، بينما مواقفه الحقيقية داعمة للاستفتاء سبيلا للاستقلال ضمن سيناريو كبير يشمل تركيا وإيران وسوريا ويغرق المنطقة بنزاع يطول وقته لعشرات السنين، لكن الموقف الأميركي المخيف قد يتراجع ويضمحل إذا ما اصطدم بالموقف الصلب لدول الجوار “تركيا وإيران” الرافض للاستفتاء.

وبطبيعة الحال إن مساحة الود باتت ضيقة للغاية وأصبحت الأطراف الدولية بعيدة عن إبداء دور الوسيط الفاعل، بينما الأتراك والإيرانيون يتمسكون بموقف صلب ومتماسك بتطبيق نظرية (الاختلاف في العقيدة والاتفاق في المصالح الاستراتيجية).

من المتوقع أن تظهر الحاجة لدور رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بالتدخل وسيطا، لكن بتسمية أخرى تتضمن طرح مبادرة لتقريب وجهات النظر بين بغداد وحكومة الإقليم وسيكون للحكومة العراقية موقف صعب لا تتنازل عنه إلا في حال دخول قواتها المرابطة على تخوم مدينة كركوك والتدخل في الملف الأمني بشكل يعيد لها هيبتها في المدينة التي تهاونت عنها للكرد منذ 2003، وسيكون للاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير دور بارز في تسوية الخلاف بين بغداد والإقليم وإعادة الشراكة بالحكم والبرلمان بين الأحزاب الكردية وعودة رئيس برلمان الإقليم لمزاولة دوره بعد منعه وتعطيل البرلمان لأكثر من 22 شهرا.

وفي حال لم تتحقق هذه الخطوات وانفرط عقد التعاون بين بغداد وأنقرة وطهران، سيكون لحكومة الإقليم موقف متصلب يدفع باتجاه الحلول خارج نطاق الدبلوماسية وستحل لغة المدفع بديلا عن لغة الحوار ما يجعل الحرب لا سمح الله تدور بين القوات العراقية والبيشمركة وأول ما تحترق بنيران الحرب هذه هي حقول النفط والغاز والكبريت في كركوك، فالأزمة لو نظرت لها الأطراف المعنية المتعنتة التي تنفخ فيها أصوات السياسيين من زاوية تأثيرات الحرب على الواقع العراقي إجمالا لأدركت أن وقت الانفصال عن العراق أمر لا يمكن فرضه بهذا الواقع الحالي لغياب الرؤية الدولية في هذا الموضوع، والأمر الآخر أن العراق يعاني من أقصى شماله لأقصى جنوبه من مخاطر الإرهاب، وحتى اللحظة لم تتحرر جميع الأراضي العراقية، وأي خلاف يتطور لحد العنف سيكون فرصة ثمينة للإرهاب لأن يتمدد من جديد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية