تكشف الإحصاءات الرسمية عن أعداد مرعبة لقضايا عقوق الوالدين، التي بلغت العام الماضي 1500 قضية في باحة المحاكم، والأكيد أن الأعداد التي لم تصل إلى المحاكم أكبر بكثير، وتحمل كل منها قصة مخيفة في عقوق الوالدين.
المفارقة في نشر هذه الإحصاءات تزامنها مع يوم الجمعة الفائت 21 مارس الذي يوافق عيد الأم، وما يصاحب هذا اليوم كل عام من تحذيرات بعدم الاحتفال بالأمهات لأننا كمسلمين ليس لدينا سوى عيدين، هما: عيد الفطر وعيد الأضحى.. مما يفرض تساؤلات مهمة يأتي في مقدمتها هذا التخويف من الاحتفاء بالأم بقطعة كعك أو هدية رمزية أو باقة من الزهور، هل هو أعظم ذنبًا من ولد يعقها أو يضربها أو يحوّل حياتها إلى جحيم لا يطاق؟! لماذا لا نأخذ القيم الجميلة من هذه المناسبات التي لا تعني أن حب الأم لا يأتي إلا في هذا اليوم وهذا التاريخ تحديدًا، إنما لعِظم الأم وقدرها الذي لا يوازيه أحد عند الغرب، فتم تخصيص هذا اليوم لتفرح فيه الأمهات، فمجرد شعورها أن ابنها يتذكر هذه المناسبة ويفاجئها بشيء جميل، هذا بحد ذاته تجديد لعلاقة الأمومة وإيجاد مساحة من الفرح والسعادة التي وللأسف باتت تندثر في مجتمعاتنا العربية المثقلة بالهموم والألم والحروب وسيلان الدماء.
لماذا الخوف من قطعة كعك وباقة من الزهور يقدمها الأبناء لأمهاتهم، ولا يوجد خوف ولا تحذيرات توازي الترهيب الحاصل من عيد الأم عندما يضربها ابنها ويعقها حتى وصلنا إلى مرحلة الوصول للشكاوى داخل المحاكم، مما يؤكد بلوغ مرحلة عدم القدرة على التعايش وخلوص الصبر لدى الوالدين ما حدى بهما إلى الذهاب للجهات الأمنية؟ فماذا يعني أن يذهب الوالدان إلى جهة أمنية لتقديم شكوى بحق ابنهما؟ فما من أمّ ولا أب يفعل هذا بابنه ويلجأ إلى هذه الجهات إلا بعد أن ضاقت بهما الحياة وتحولت إلى معيشة ضنكا!
لماذا نرفض كل القيم الجميلة من الغرب باسم الحرام، ونقبل منهم التطور التكنولوجي والرفاهية والحياة المتقدمة، التي لولا الغرب لما وصلتنا ولبقينا قابعين في ظلامنا الدامس؟
لماذا نكذب ونألف القصص حول الغرب ونتهمهم بعقوق الوالدين ونختلف حول علاقاتهم الأسرية شتى أنواع التضليل، وأكبر الكَذُوب حولهم أن أبناءهم لا يزورونهم إلا في يوم عيد الأم، مع أن واقعهم يؤكد أن أقوى علاقات الترابط الأسري لديهم، لكن بثقافة مختلفة تمامًا عن ثقافتنا وبنهج حياة مختلف عنا، فأبناؤهم يزورونهم ويبرون بهم حبًا وتقديرًا لآبائهم، أما ثقافتنا فهي تُلزمنا ببر آبائنا من باب التخويف والوعيد، فيبر الابن والديه ليفوز بالجنة، ويذهب إلى زيارتهما خوفًا من غضبهما عليه، وهنا الفارق، مع التأكيد أنني لا أقارن من باب الإعجاب أو التفضيل إنما لقراءة حالة اجتماعية فرضت نفسها على ذهني بعد مرور مناسبة عيد الأم، وإن كنا نتهم الغرب بالعقوق فها هي محاكمنا بدأت تغرق بقضايا العقوق، وما خفي أعظم، لذا فإن علاج القضية يحتاج إلى وقفة مع النفس ومصارحة بحال الواقع، ونقد الثقافة المحلية أنجع بكثير من نقد الثقافات الأخرى.
فليس بالضرورة لأن نُثبت للعالم أننا الأفضل بأن نُسقط غيرنا!