بعد مجزرة الحولة، تأكد لي ما يتردد حول الوضع المزري الذي وصل له حال النظام الفاشي في سوريا، فهذه المجزرة المؤلمة حملت دلالات متنوعة عن الوضع هناك وما يقاسيه اخوتنا السوريين رفع الله عنهم الضر.
أولى الدلالات أن من قاموا بهذا العمل هم من الطائفة العلوية، وهم في الأساس من جنود النظام سواء في أفرع المخابرات المتعددة، أو من الشبيحة والقطاعات العسكرية والأمنية الأخرى. والدلالة هنا أنهم قاموا بهذه المجزرة دون الرجوع لأوامر عسكرية وهذا ما يتضح من طريقة التنفيذ وصور العمل الإجرامي، وطالما انه أصبح هناك انفصال بين النظام ورجاله الشبيحة فهذا “انشقاق” عن النظام لمصلحة النظام، أو كالدب الذي قتل صاحبه، فالحالة السورية تعج بالفوضى وكل صار يجتهد في ارتكاب أكبر عدد ممكن من المجازر والقتل والتنكيل!
أيضًا، كثرة الأعمال الاجرامية أمام أعين المراقبين الدوليين جعلت النظام يقف حائرا، بعد غياب الخطة العسكرية والتوجيه النظامي لتنفيذ مسلسل التمثيليات المُحكمة، مما وضع الأسد وزبانيته في موقف حرج وتقديم الكذبات التي يعلمون أن لا أحد يصدقها، خصوصا مع ازدياد حالات سحب السفراء في عدد من دول العالم، حتى أنه وفي القريب لن يبقى في سوريا سوى سفيري الصين وروسيا! لذا فإنه ليس أمام من هم في موقف النظام الأسدي وزبانيته، مع هذا الموقف الحرج سوى الكذب كحل سياسي ونفسي عاجل لتهدئة الأمور، وبما أن كثيرا من القوات أصبحت تواجه المتظاهرين بمزاجية ودون رجوع لأوامر فهذا أمر “دوّخ” العصابة وفتح عليها جبهة جديدة. وهنا – تحديدا- دلالة مهمة، إذ أن توحش الجنود العلويون بهذه الصورة الهستيرية وهم المقربين من النظام العلوي، وقربهم من مركز الادارة، فهنا نعلم ما هي الأخبار التي تصلهم وأوصلتهم إلى هذه المرحلة من الجنون، وتقييمهم للوضع وبالتالي اتخاذ اجراءات سريعة بتنفيذ مجازر تحت حماية عائلات علوية سبق وأن اعلن بشار الأسد بنفسه أمام جمع من العلماء والمثقفين أنه يعلم عن أعمال هذه العائلات ولكن لا يستطيع عمل شيء أمامها، كذلك تلك العائلات العلوية المتنفذة لديها علم تام بضعف الرئيس الصوري، وأن عليها اتخاذ اجراءات فردية لوقف الثورة.
النظام السوري يتداعي، أمس الأول انشق قنصل سوري في أمريكا، وقبله كُثر وسيلحق به الكثير، والعزلة الدولية تزداد، والجيش الحر يرتفع تنظيمه وتتزايد عملياته النوعية، والشعب السوري كسر آخر حواجز الرهبة ووصل إلى مرحلة اللا خيارات (الموت – الموت (والأهم هنا أن نظرات الرعب التي نشاهدها في عيون المسؤولين السوريين تضاعفت وبدت ملحوظة، والبريق المتطاير بشرر زال، والآن ننتظر النظرة الأخيرة من عيني بشار الأسد كتلك التي شاهدناها في عيني معمر القذافي وهو يُسحل، وهذا أو ذاك كلاهما ينطبق عليه المثل العربي الشهير: يداك أوكتا وفوك نفخ!