+A
A-

“لقمة العيش” رهينة بين فكي “الجائحة”

السلوم: فتح المنافذ سينعش الاقتصاد.. و ”الحزمة المالية” درأت المخاطر

الشهابي: توطين المهن ضرورة.. و ”مجلس وطني” لدراسة طلبات الاستعانة بالأجانب

فخرو: لا لمجاملة المنظمات الدولية على حساب مصلحة البلد العليا

جعفري: حكومة البحرين لن تسمح بتكرار سيناريو التسريحات الأميركي

يعقوب يوسف: تفعيل الحوار الاجتماعي الطريق الأمثل لتعافي الاقتصاد

الدوسري: سوق العمل تتجه نحو الاستقرار ولا “ظاهرة تسريحات” لمواطنين

الصايغ: تعافي الاقتصاد يتطلب مراجعة شاملة لسياسيات سوق العمل

موجة هجرة للعمالة الأجنبية ستخفض سكان الخليج 10 % بعد “كورونا”

المستقبل للأذكياء وأهل البحرين “مصلحون”

 

علقت منظمة العمل الدولية جرس الإنذار حين توقعت خسارة العالم نحو 195 مليون وظيفة بدوام كامل، منها 5 ملايين وظيفة في الدول العربية، بفعل تداعيات جائحة كورونا (كوفيد 19) التي تتزامن مع تراجع غير مسبوق في أسعار النفط.

وفي تقرير حديث لمؤسسة (أكسفورد إيكونوميكس) توقعت فيه أن تشهد دول الخليج موجة نزوح للعمالة المهاجرة بمعدل 10 % من سكانها، بفعل تداعيات الجائحة على الأنشطة التجارية والاقتصادية، بلغت نسبتها في البحرين نحو 6 %.

مملكة البحرين سارعت مبكرا وفي خطوة استثنائية بإطلاق حزمة مالية بلغت 4.3 مليار دينار، كأولوية قصوى لدعم الاقتصاد؛ لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.

ورغم الخطوات المهمة والمبكرة التي اتخذتها المملكة في سبيل دعم الاقتصاد، إلا أن السؤال الأبرز الذي بات يطرح بشكل واسع هو: إلى أين تتجه أوضاع سوق العمل في البحرين بعد انقضاء فترة تحمل الحكومة دفع رواتب الموظفين في القطاع الخاص؟

إعادة الهيكلة

الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين أزاح الستار عن بعض تأثيرات هذه الجائحة على سوق العمل، حين أعلن عزم شركات كبرى إجراء تسريحات بنسبة 30 % من عمالتها تحت مبررات “إعادة الهيكلة”.

رئيس الاتحاد يعقوب يوسف أشار إلى أن التأثيرات السلبية لهذه الجائحة على سوق العمل أمر حتمي، ولا يختص بمملكة البحرين فقط، وإنما جميع دول العالم، وهو ما دفعهم إلى التحذير من عمليات تسريح واسعة خلال الفترة المقبلة.

ورأى ضرورة اتخاذ إجراءات حكومية حاسمة تحمي حقوق ومكتسبات العمال خصوصا الأيدي العاملة الوطنية منها، حيث ينبغي عدم تحميل العمال الانعكاسات والتبعات السلبية الاقتصادية لجائحة كورونا.

وأكد ضرورة أن يتحلى أصحاب العمل بروح المسؤولية الوطنية والاجتماعية في هذه الأزمة، وعدم تقديم خيار الاستغناء عن الأيدي العاملة لديهم على باقي الخيارات لمواجهة هذا التحدي الكبير، لاسيما وأن هذه المؤسسات تلقت دعما كبيرا من الدولة قبل وأثناء الجائحة.

ولفت إلى أن المؤشرات تنبئ بحدوث انفراجة قريبة فيما يتعلق بتراجع أسعار النفط، وهو ما يقلل من خطر تأثير هذا الانخفاض على سوق العمل.

ورأى أن تعافي الاقتصاد يستدعي إجراء حوار مجتمعي وطني يضم جميع الجهات المعنية الرسمية والمجتمعية؛ لبحث متطلبات سوق العمل، وتأثيرات الجائحة وانخفاض أسعار النفط على السوق، والخروج بتوصيات لمواجهة هذه التحديات.

ودعا إلى تقديم المزيد من الدعم الحكومي للقطاع  العام والخاص، إلى جانب استمرار جهود مكافحة الفساد المالي والإداري، وتطبيق بحرنة الوظائف في المواقع ذات الأجور الملائمة مع الواقع المعيشي، وتوفير بيئة عمل محفزة على الإنتاج، وتجميد الرسوم لحين استقرار الوضع، إضافة إلى  تعزيز تنافسية القطاع الخاص ومنحه المزيد من التسهيلات للوصول للأسواق الخارجية.

التأثر السريع

من جهته، رأى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين عبدالقادر الشهابي إن محدودية جغرافية مملكة البحرين ومواردها وإمكاناتها تجعلها سريعة التأثر بالمتغيرات الداخلية والخارجية.

ولفت إلى أن تعدد أنشطة قطاع العمل في البحرين منع تأثر بعض الأنشطة سلبا، فيما أثر كثيرا على أنشطة أخرى قطاعات النقل والفندقة والتجزئة للمواد غير الغذائية، مما قد ينجم عنه إعلان بعض المؤسسات إفلاسها حال استمرار إغلاق أنشطتها بفعل الإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا.

وأشار إلى أن خطوة مملكة البحرين في دفع أجور البحرينيين في القطاع الخاص جاء بمثابة التكريم للمؤسسات الملتزمة ببحرنة وظائفها والمحافظة على دخل المواطن البحريني، ولكن ينبغي الالتفات أيضا إلى أن 80 % من القوى العاملة في القطاع الخاص هي من غير المواطنين، وهو الأمر الذي يتطلب معه توفير آليات مكملة لدعم مؤسسات هذا القطاع.

وذهب إلى أن استمرار انخفاض أسعار النفط في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، قد يؤثر مستقبلا على انتظام دفع الأجور، وتخفيض بعض العلاوات للعمال والمتقاعدين.

ورأى أن الحل يتمثل في رفع الحد الأدنى لأجور البحرينيين إلى 700 دينار لتمكينهم من توفير الحياة الكريمة لهم ولأفراد أسرهم، مع اقتصار بعض المهن على المواطنين للحد من معدل البطالة، إلى جانب اقتصار طلب العمالة غير الوطنية على سقف يحدد من خلال دراسة لسوق العمل تحت مظلة مجلس اقتصادي اجتماعي يجمع إطراف الإنتاج الثلاثة.

عبء التداعيات

النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو أكد أن تأثير هذه الجائحة كبير جداً على سوق العمل، ولا يمكن التكهن بالمستقبل، وأن أي دولة في العالم لن تتمكن لوحدها من تحمل عبء تداعيات هذه الجائحة على الاقتصاد.

وذكر أن الظروف الراهنة تنبئ أن الأيام المقبلة يمكن أن تشهد الإعلان عن مجموعة من حالات إفلاس الشركات، وإغلاق المحلات، وتسريح عمال، وإعادة التفاوض مع الموظفين بشأن الأجور وغيرها.

وأكد أن قرارات دعم الحكومة للاقتصاد كانت خطوة مهمة وعلى الطريق الصحيح، إلا أن الدولة لن تتمكن من الاستمرار في دعم الاقتصاد لاسيما في ظل تراجع أسعار النفط.

ورأى أن اتجاه الناس نحو ترشيد الإنفاق أصبح أمرا واقعا ومطلوبا في ظل هذه الظروف، مما سينعكس ذلك بشكل وآخر على القطاع الخاص.

وأكد أن الحد من تداعيات هذه الجائحة على الاقتصاد ككل يتطلب عقد حوار مجتمعي يشمل جميع الأطراف المعنية، على غرار خطة إصلاح سوق العمل؛ لحماية البحرين من تداعيات هذه الجائحة، وبحث سبل الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر.

وأشار إلى أن نجاح هذا الحوار مرهون بمشاركة جميع الأطراف المعنية، والابتعاد عن العواطف، ووضع مصلحة البحرين ككل فوق كل اعتبار.

وأضاف أنه لم يعد مقبولا الحديث عن تفضيل الأجنبي عن البحريني في ظل هذه الظروف، وأن عدد العمالة الأجنبية بات يشكل عبئا على الاقتصاد وفائضا عن الحاجة.

وشدد على ضرورة تدارس مدى الحاجة إلى تشريعات وأنظمة تستديم بقاء العمالة الأجنبية الفائضة عن الحاجة، كنظام “الفيزا المرنة” وغيره، واتخاذ إجراءات حاسمة، تقدم مصلحة البلد العليا على المصالح الفردية، ومصالح المنظمات الدولية.

فتح المنافذ

ورأى رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين النائب أحمد السلوم أن الحزمة المالية لدعم الاقتصاد كان لها بالغ الأثر في تخفيف الآثار السلبية لجائحة كورونا وانعكاساتها على قطاع العمل في البحرين.

ولفت إلى أن هذا الإجراء الاستباقي الذي اتخذته مملكة البحرين، ساهم كثيرا في التخفيف من مخاطر الجائحة على الاقتصاد، وضمان استمراره وعودته إلى ممارسة نشاطه ورفده للاقتصاد الوطني.

وأشار إلى وجود العديد من المؤشرات الإيجابية على عودة قطاع العمل بوتيرة تدريجية، بما لا يؤثر سلبا على الوضع الصحي. وذكر أن استمرار  انخفاض أسعار النفط سيتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات نحو معالجة ارتفاع الدين العام، والعمل على ترشيد الإنفاق الحكومي بصورة كبيرة في الفترة المقبلة. ولفت إلى أن أحد أبرز المواضيع التي ستطرح للنقاش على طاولة المجلس مع بداية دور الانعقاد القادم تتعلق  بتأثيرات استمرارية انخفاض أسعار النفط على الوظائف في القطاعين العام والخاص؛ وذلك بهدف الاطلاع على الخطط الحكومية في هذا الجانب، والعمل على وضع كافة التشريعات اللازمة، والتي تضمن عدم المساس بمكتسبات المواطنين. وأكد أهمية إعادة النظر في تسريع فتح المنافذ؛ لضمان استمرار التبادل التجاري، مع تحقيق الضمانات الصحية، مما سيؤدي إلى تحفيز الاقتصاد والتغلب على الظروف الراهنة.وذكر أن الاطلاع على تجارب الدول المجاورة فيما يتعلق بسوق العمل بات أمرا مطلوبا؛ للاستفادة من تجربتها، إلى جانب العمل الجاد على بحث سبل زيادة الإيرادات غير النفطية؛ للحد من تنامي الدين العام.

هندسة الصرف

الخبير الاقتصادي أكبر جعفري رأى أن مملكة البحرين هي من الدول القلائل التي كانت أقل تضررا بفعل الجائحة؛ وذلك بفضل المبادرات الاستباقية والشجاعة التي اتخذتها المملكة، وذلك عبر ضخ 4.3 مليارات دينار لدعم الاقتصاد الوطني، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمملكة البحرين.

ولفت إلى أن هذا النوع من الدعم مطلوب جدا، إلا أنه ينبغي أن يطبق بشكل انتقائي على بعض القطاعات الأكثر تضررا بفعل الجائحة.

وأكد أن خيار تسريح الموظفين من الشركات الكبيرة ليس واردا في الظروف الراهنة، وعليه ينبغي توجيه الدعم في الأيام القادمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والقطاعات المتضررة فعلا من هذه الأزمة، والتي هي أكثر عرضة للجوء إلى تسريح موظفيها أو إعادة الهيكلة أو الإغلاق الكلي.

ورأى أن سيناريو التسريحات الذي حصل في أمريكا لا يمكن أن يتكرر في البحرين؛ وذلك أن المبادئ الأخلاقيات التي تحكم أنظمتنا لا تسمح بأن تصل الأمور إلى هذا الحد، وستقف بكل قوة لمنع حصوله.

وبين أن أبرز مسببات التسريحات العمالية تتمثل في عجز المؤسسات عن توفير ميزانياتها التشغيلية، وهنا ينبغي لتلك المؤسسات استثمار مدخراتها في دعم ميزانياتها التشغيلية بدلاً من التضحية بالموظفين، الذين هم شركاء حقيقيون في هذه المدخرات.

وأوضح أن 64 % من نجاحات المؤسسات وأرباحها مصدرها الأيدي العاملة، فيما تتوزع باقي النسبة على رأس المال بمعدل 16 %، والبنية التحتية بمعدل 20 %.

وقال إن تجاوز تحدي انخفاض أسعار النفط ممكن عبر إعادة هندسة الصرف الحكومي والاقتصاد ككل، وخلق ثروة من إنتاجية الناس، ووقف الهدر الذي يستنزف نحو 35 % من الميزانية، وتقنين نحو 30 % من الميزانية.

وأكد أن الأيام المقبلة تتطلب من الموظفين أن يجتهدوا في رفع إنتاجيتهم بنسبة 25 % منى ما رجعوا للعمل، حيث سيساهم ذلك في تعويض الخسائر الناجمة عن تداعيات هذه الجائحة.

وأشار إلى أن المستقبل واعد للأذكياء، وأن صلاح أهل البحرين وحبهم للإصلاح هو ما سيمكن المملكة من تجاوز هذه الأزمة كما تجاوزت العديد من الأزمات السابقة، انطلاقا من قوله تعالى: “مَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود: 117).

توطين المهن

من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي جعفر الصايغ أن الجائحة أوقفت النشاط الاقتصادي وتأثرت بسببه الكثير من المؤسسات، وأن استمراره سيؤدي إلى إفلاس العديد من المؤسسات الصغيرة خصوصا.

ولفت إلى أن القطاع الخاص مازال بحاجة إلى استمرار الدعم، كما أنه ينبغي أن يكون لهذا القطاع مساهمته في الدعم إلى جانب الدولة؛ للتقليل من  الأضرار الناجمة عن انتشار وباء كورونا.

ورأى أن الكثير من المؤسسات ستتأثر سلبا، والعديد منها وجدت نفسها في طور الإغلاق لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.

وأشار إلى أن استمرار انخفاض أسعار النفط سيكون له انعكاسات واضحة على الاقتصاد عموما، حيث سيضعف الإمكانات المالية للدولة وسيولتها، وسيؤدي إلى حالة ركود، مما سينتج عنه توقف عجلة التوظيف في القطاعين العام والخاص.

ولفت إلى أن الحل يكمن في مراجعة سياسة سوق العمل عموما، والتخلص من العمالة السائبة، وتعزيز القدرة التنافسية للعمالة الوطنية، وتوطين الكثير من المهن والوظائف لصالح البحرينيين، والعمل على توظيف العمالة البحرينية وتشجيع المؤسسات لتوظيف العمالة البحرينية. وقال إنه من الضرورة إعادة النظر في الكثير من سياسات سوق العمل، وجعلها تخدم الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030.

استقرار السوق

إلى ذلك، أكد وكيل العمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية صباح الدوسري أن أوضاع سوق العمل تتجه نحو مزيد من الاستقرار خلال الفترة المقبلة، وأن هناك بوادر إيجابية نحو عودة السوق إلى ما كانت عليه قبل الجائحة.

ولفت إلى أن أغلب التسريحات التي رصدتها الوزارة خلال الفترة الماضية كانت لأجانب، إذ اقتصرت تسريحات المواطنين على الحالات الفردية الاعتيادية.

وأشار إلى أن الوزارة بدأت التحقيق في ما أعلن عنه الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين من اعتزام شركات كبرى لتسريح 30 % من عمالتها بدواعي إعادة الهيكلة.

وأشار إلى أن حكومة مملكة البحرين حريصة كل الحرص على الوقوف مع المواطنين، ودعمهم بكل ما لديها من إمكانات، في سبيل الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، والأخذ بيد الاقتصاد نحو التعافي الكامل.