+A
A-

تداعيات تفشي “كورونا” وقرارات السلطات على عقود إيجار المحلات التجارية

حفاظًا على حياة الإنسان والصحة العامة، وفي حدود الضوابط القانونية أصدرت السلطات العامة في مملكة البحرين، عددًا من القرارات الوجودية الهامة لمكافحة تفشي وباء “كورونا”، ومن بينها قرارات تقضي بإغلاق العديد من المحال التجارية، وكانت تلك القرارات ذات طبيعة عامة الزامية وجبرية يترتب على مخالفتها تعرض المخالفين لجزاءات جنائية ومدنية وإدارية، ومن جانب آخريترتب على تنفيذها حرمان مستأجري تلك المحلات من الانتفاع بالأعيان المؤجرة لمزاولة نشاطهم التجاري أو الصناعي، وعليه يبقى التساؤل القانوني والتجاري: هل يحق لمالك العقار في ظل تلك الاجراءات طلب الإيجار كاملاً؟

يعتبر القانون المدني هوالقانون العام الواجب التطبيق على كافة عقود الإيجار، بشرطين: عدم وجود نص في قانون الايجار ينظم هذه المسألة، وعدم تعارض هذا النص مع نص خاص وارد في قانون الايجار، وذلك باعتبار أن القانون المدني هو الشريعة التي تسود أحكام عقد الايجار، وهي الواجبة التطبيق ما لم ير المشرع لاعتبارات يقدرها تعطيل بعض أحكامه باعتبار ذلك استثناء من الأصل.

بالرجوع لأحكام القانون المدني، نجد المادة (523) قد نصت على نحو جهير: “إذا ترتب على عمل صدر من السلطة العامة في حدود القانون نقص كبير في انتفاع المستأجر، جاز له أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة، ما لم يكن عمل السلطة العامة لسبب يكون مسئولا عنه. ولا يكون للمستأجر حق في التعويض قِبل المؤجر إلا إذا كان عمل السلطة العامة قد صدر لسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه. وكل ما سبق ما لم يقض الاتفاق بغيره”.

إن المعالجة التشريعية لهذه الحالة قد جاءت متدرجة متسلسلة في صياغة نص المادة (523) إذ يجوز للمستأجرين، إما طلب فسخ عقود الإيجار أو إنقاص الأجرة بقدر ما نقص من انتفاعهم بالعين المؤجرة، أو حتى الامتناع عن سداد أجرة تلك الأعيان طيلة مدة الحظر المفروض من جانب السلطات العامة في المملكة، ذلك كله مشروطا باتباع الاجراءات التي حددها القانون بألا يكون عمل السلطة ناجماً عن عمل يُعزى إلى المستأجر، أو أن يكون عدم انتفاع المستأجر بالعين راجعاً إلى خطئه، أو إلى سبب يتعلق بشخصه، أو نتيجة استعماله العين بالمخالفة لشروط عقد الإيجار. فلو طالب المؤجر مستأجري الوحدات التجارية بسداد الإيجار كاملاً، يحق للمستأجرين رفض طلبه على أن يكون ذلك بشكل كتابي استيفاء للشروط التي تطلبها القانون. أما إذا قام المالك بإعفاء المستأجر من أجرة تلك الأشهر التي تم فيها إغلاق المحلات المؤجرة، فينتفي في هذه الحالة طلب فسخ عقد الإيجار.

فالنص القانوني في صياغته التشريعية جاء واضحا في إيراده تسلسليًّا معالجة هذه الظروف، ويبقى للقضاء سلطة تقدير مبررات الفسخ وكفاية أسبابه أو عدم كفايتها، وتحديد الجانب المُقصر في العقد أو نفي التقصير عنه، كل ذلك من الأمور الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع، وفقا لمقتضيات وظروف كل حالة وبما يتوافق مع المصلحة العامة.

هل يجوز للمستأجرين بعد وقف الإغلاق الإلزامي مطالبة المؤجرين بفترة سماح إضافية، نتيجة تضرر ملاك المشاريع الصغيرة؟

من الناحية القانونية، وبعد زوال أثر قرار السلطات العامة بالدولة بالإغلاق الإلزامي للمنشآت التجارية، وانتفاء المعوقات والسبب الأجنبي لانتفاع المستأجرين بالأعيان المؤجرة، لا يوجد سند قانوني مشروع لمطالبة المستأجرين بفترة سماح إضافية يعفون فيها من سداد إيجار تلك الأعيان، ما لم يوافق هؤلاء الملاك على ذلك رضائياً وودياً، إذ أي ضرر يزول بزوال أسبابه وينتفي بانتفاء محله.

د. محمد رضا بوحسين

مستشار قانوني ومحكم دولي