+A
A-

الكوميديا في السينما العربية إلى الحضيض.. ضرب من التهريج والإسفاف

يقول مارسيل بانيول “إن الفنان الأصيل هو الذي يثير الضحك في قلوب الناس ويسرى عنهم، جدير بأن نرفعه إلى مراتب الأبطال العظماء، فنقول، البطل العظيم مولير والبطل العظيم شارلي شابلن”. وهناك حقيقة في عالم الفن مفادها، أن بعض الممثلين الكوميديين يتألقون بنجاح على المسرح، ولكن ليس على الشاشة؛ لأن إثارة الضحك على المسرح تتوقف غالبا على الالفاظ، على حين أنها على الشاشة تعتمد غالبا على المشاهد، وليس من المؤكد أن يوفق الممثل المسرحي إلى اثارة الضحك بمشاهد وحركة لا تدعها الألفاظ، وكبار ممثلي المسرح حين يؤدون أدوارا في السينما يرون أنفسهم مضطرين إلى العناية بتهذيب أدائهم عند تصوير لقطة، ولعله بفضل هذه اللقطات أمكن للسينما أن تصقل فن الأداء الكوميدي وتسمو به.

عموما.. لقد شاهدت الكثير من الأفلام الأمريكية خصوصا الكوميدية التي تعتبر بحق أعسر فن من فنون الإنتاج السينمائي، كما أنها أصبحت وسيلة اجتماعية فعالة في خدمة النقد الاجتماعي والتقويم الخلقي وهذا ما يجعل لها أهميتها وخطورتها في حياتنا الاجتماعية. في رأيي الشخصي أن الأفلام الكوميدية الأمريكية تشعرك بأن وراءها مخرجا متميزا بكل معنى الكلمة، مخرج يعرف كيف يستغل كل العناصر مجتمعة لإحداث الاستجابة الفكاهية الملائمة بحيث يتعاون كل من اللفظ والصورة والحركة والصوت على تحقيق التأثير الفكاهي المطلوب؛ لأن السينما الفكاهية وكما نعلم تعتمد على ظاهرة التكامل من أجل تحقيق مهمتها الأصلية في استجابة الضحك من الجمهور.

الأفلام الكوميدية الأمريكية نجحت؛ لأنها تنقل المشاهد إلى عالم لا واقعي، كل ما فيه يدعو إلى الضحك بما في ذلك الأشخاص والمواقف والحركات والأحداث والأشكال. ونعني هنا بالعالم اللاواقعي الذي تنقلنا إليه الكوميديا هو قدرة الرواية الكوميدية على نسياننا همومنا أو مشاكلنا وأحزاننا ولو لفترة وجيزة، وتحملنا إلى دنيا الهزل، ومن هنا، فإن للكوميديا دورا تطهيريا كما يقولون في حياتنا النفسية خصوصا في عالم السينما، حيث تنقضي المشاهد على الشاشة، في جو لعله أشبه ما يكون بجو الأحلام . أقول الحق، لا أحب أبدا مشاهدة الأفلام الكوميدية العربية خصوصا “الأفلام الحديثة” باستثناء أفلام عادل أمام وأفلام وحيد سيف؛ لأنني أعرف حينما يعد الضحك غاية في ذاته، فإن فن السينما الكوميدية كثيرا ما يستحيل إلى ضرب التهريج الذي لا يخلو من إسفاف، ومخرجو هذه الافلام يحشدون كل طاقاتهم؛ من أجل العمل على انتزاع ضحكات الجمهور بأي ثمن، وقد لا يجدون حرجا في بعض الأحيان من اللجوء إلى شتی الأساليب المشروعة وغير المشروعة؛ من أجل الوصول إلى غايتهم، ولعل السبب الرئيس لإسفاف وانحطاط بعض الأفلام الكوميدية العربية الجديدة، هو اقتصارها على الحركات البهلوانية التافهة والمفارقات الآلية السخيفة والمواقف المصطنعة الرتيبة.

في السينما نلاحظ أن الأفلام الكوميدية تعتمد في استثارة الضحك على إثارة التناقض بين الشخصيات والأحداث السينمائية من جانب، والمتفرج بقيمه ومشاعره من جانب آخر، أو هي تعتمد على خلق التناقض بين الشخصيات والأحداث السينمائية بعضها البعض، ثم ترك المتفرج حرا لكي يضع نفسه في مكان هذه الشخصية أو تلك او في اطار هذا الحدث أو ذاك، وهذا ينطبق على سلسلة أفلام “باد بوي” للمثل ويل سميث ومارتن لورنس، فالتناقض بين الشخصيتين واضح تماما، والخيط الدرامي للفيلم يسير كما لو أنه “زنبرك” صعود ونزول، وتشعر أن القصة تتعاون فيها الأحداث والمشاهد والمواقف من ناحية، والشخصيات من ناحية أخرى. وهناك أيضا فيلم “hangover” الذي حافظ الممثلون فيه على هيكل الأسلوب الكوميدي، وقدموا للمشاهد متعة لا تنسى، ولعل سبب نجاح شخصيات هذا الفيلم في أجزائه إلى جانب الموهبة، هو تبسيط الدور والابتعاد عن التكلف وتغذيته بأفكار مرحة، وهذه النقطة هي التي جعلت الفنان عادل إمام يتربع دون غيره على عرش الكوميديا العربية؛ لأنه عرف بطريقته فن الاختيار والحذف والإضافة والتحرك على جسد النص المكتوب بكل حرية وعفوية، فعادل إمام ممثل موهوب يعرف كيف يعالج موضوعه بعيون مفتوحة خالية تماما من أي تعبير يتم عن خوف، وابتعد كليا في أفلامه التي قدمها منذ نهاية السبعينات ولغاية اليوم عن عنصر القسوة لإثارة الضحك لدى المشاهد “أول من أدخل عنصر القسوة لإثارة الضحك في السينما هم إخوان ماركس”.

بصورة عامة، لن تكون الكوميديا فنا، والأفلام الكوميدية فنا حقيقيا إلا إذا كانت موجهة، وفي اعتقادنا أن السينما العربية بدأت تفقد الميزان، وأصبحت تقدم الأعمال الهابطة المليئة بالإسفاف على أنها أفلاما كوميدية، وامتلأت دور السينما والفضائيات بالأفلام التي لا تتوفر فيها عناصر الفن الكوميدي، كما أن المخرجون أيضا تناسوا العلاقة الحية بين الفيلم وجمهوره، وارتضوا على أنفسهم تقديم جرعة من الضحك ليس لها أي طعم ولون، ولا حاجة لذكر أسماء هؤلاء وأفلامهم الهابطة، والفريق الذي أطلق على نفسه بالصف الثاني بعد عادل إمام، في حين انهم مجرد بائعين يروجون لسلعة هشة خالية من أي جمال.

مصدر الضحك ليس في الحدث ذاته، إنما في الشخصية ومدى تفاعلها مع الأحداث، وهذا ما تفتقده السينما العربية، على الأقل خلال السنوات الأخيرة مع ظهور موجة صعاليك الإسفاف والابتذال والثرثرة والسقوط، وكل المؤشرات تدل على أن الكوميديا في السينما العربية تسير إلى الحضيض .