+A
A-

القطاع العجوز.. فرصة سانحة لإعادة الحيوية والنشاط

فاطمة موسى: تركت سوق المزارعين الدائمة بعد شهر من العمل فيه

شبيب: من لم يأكل من أرضه فهو فقير

آل عباس: تأهيل هورة عالي يدعم قيام معلم بيئي سياحي إقليمي

فؤاد خليفة: استمرار القطاع الزراعي يتطلب خطوات إصلاحية جادة

الدمستاني: الوزارة لم تتأن في توزيع أراضي هورة عالي

آل رحمة: إنعاش الزراعة بجعلها أولوية ببرنامج عمل الحكومة

الوداعي: الزراعة التقليدية ولَّت وحماية القطاع مسؤولية تشريعية

عبدالغفار: السياسات الإدارية الراهنة “مثبطة” للقطاع الزراعي

علي السليطي: الزراعة وحدها ليست كافية لاستدامة القطاع

فرص لمضاعفة الرقعة الخضراء إلى 5 آلاف هكتار

 

الأرقام لا تكذب، وتراجع الرقعة الزراعية في البحرين تحت عجلة الزحف العمراني، مازال يمثل واقعا عجزت عن إيقافه حتى اللحظة، كافة مبادرات تنمية ودعم القطاع الزراعي.

وزير الأشغال في رده على سؤال برلماني للنائب ممدوح الصالح أكد هذه الحقيقة، وحمَّل الزحف العمراني مسؤولية الوقوف وراء انحسار الأراضي الزراعية خلال السنوات العشر الماضية إلى 2175 هكتارا مسجلة ضمن الأراضي الزراعية.

قبل عقد من الزمان كانت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في المملكة وفقا للأرقام الرسمية تبلغ 6400 هكتار، أما اليوم، فإن إجمالي مساحة الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة لا تتجاوز أكثر من 3700 هكتار.

هذه المؤشرات تؤكد حقيقة مفادها أن القطاع الزراعي بشكله التقليدي لم يعد قادرا على المنافسة، في ظل وجود قطاعات أخرى باتت أقدر منه على تحقيق الأرباح، وعلى رأسها القطاع العقاري، فهل لا يزال بالإمكان التعويل على الأمن الغذائي كدعامة كافية لاستمرارية واستدامة القطاع الزراعي؟

الملف الزراعي

المدير التنفيذي السابق للمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي ومؤلف كتاب الاستثمار في الزراعة حميد عبدالغفار، أكد أن استمرار إدارة الملف الزراعي بشكله الحالي لا يمكن أن ينتج عنه مشاريع تنعش هذا القطاع.

ولفت إلى أن الحل يبدأ بوضع الشخص المناسب ذو القرار الزراعي المؤثر في المكان المناسب، وتفعيل أساليب المحاسبة والرقابة وفق برنامج زمني وواضح.

وأشار إلى أن البحرين تفتقر للعديد من المقومات الزراعية كندرة الأراضي والمياه وطبيعة مناخها الصحراوي، مما يجعل هدف تحقيق الأمن الغذائي ينحصر في إطاره النسبي فقط.

من جهته، أكد رئيس جمعية المهندسين الزراعيين وعضو مجلس أمانة العاصمة البلدي محمد توفيق آل عباس حقيقة أن البحرين تعد من الدول البعيدة عن تحقيق الأمن الغذائي المطلق.

ولفت إلى أن الإمكانات المتاحة للمملكة لا تتجاوز قدرتها على تحقيق الأمن الغذائي النسبي، من خلال انتاج السلع الغذائية اللازمة للأفراد بشكل جزئي، وتوفير الباقي بالتعاون مع الدول الأخرى عن طريق الاستيراد منها.

وذهب الباحث البيئي وعضو مجلس بلدي الشمالية شبر الوداعي إلى أن النشاط الزراعي التقليدي، بمقوماته المرتبطة بتوفر الترابط الأسري بطبيعته الريفية، والقائم على مبدأ التكافل الأسري، وصون الموروث العائلي في التمسك بالأرض كمصدر اقتصادي ومقوم معيشي للأسر، لم يعد موجودا في ثقافة الأسرة الحديثة، التي تقاسمت الأراضي الزراعية وحولتها إلى مبانٍ سكنية واستثمارية.

وأشار إلى أن تلك الأسر الحديثة اتجهت إلى ثقافة الاستقلال الذاتي، والتوجه نحو النشاطات الأخرى التي أوجدتها الطفرة النفطية والتعليمية في المجتمع، وما رافق ذلك من تحولات في انتقال الأسرة الحديثة، في الالتحاق بالعمل في الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية والمجالات الأخرى ذات المردود المالي الأكبر من الحقل الزراعي.

ولفت إلى دور المنافسة الشديدة للمنتجات الزراعية المستوردة، في الحد من إمكان منافسة المزارع البحريني، مما تركت كل تلك العوامل أثرها على تراجع النشاط الزراعي في البحرين.

القطاع العجوز

ولكن، هل لا تزال الفرصة سانحة لإعادة الحيوية والنشاط إلى جسد هذا القطاع العجوز؛ وذلك لضمان استمراريته واستدامة مساهمته الأساسية في الأمن الغذائي وتحقيق التوزان البيئي؟

بالعودة إلى لغة الأرقام، فإن القطاع الزراعي مازال يملك الفرصة لاستعادة ثقته في نفسه.

هذا القطاع مازال يمتلك القدرة على تسجيل 1600 هكتار من الأراضي الخصبة ضمن الأراضي الزراعية، واستصلاح 1300 هكتار من  الأراضي الفضاء وضمها إلى قائمة الأراضي الزراعية، ليرتفع بذلك إجمالي مساحات الأراضي الزراعية في المملكة إلى 5 آلاف هكتار.

الأرقام لا تكذب، إلا أنها ليست كافية لضمان استرداد القطاع الزراعي عافيته، دون إعادة النظر في الأسس والأهداف التي بنيت عليها سياسات ومبادرات دعم وتنمية القطاع الزراعي، والتي لم تتمكن من إيقاف مسار تراجع وانحسار الرقعة الخضراء.

صاحبة مشتل (كوين بالم) عائشة سيادي رأت أن مبادرات دعم ونمو القطاع الزراعي في البحرين لا تعدو كونها اجتهادات غير مدروسة.

ولفتت إلى أن ذلك يتجلى في التوزيع غير العادل للأراضي الزراعية، والعشوائية في نوعية المنتوجات، إلى جانب ضعف الرقابة على المزارع، وما يتبعه المزارعون من أساليب خاطئة في الري، والمبالغة في استخدام المغذيات الكيميائية والمبيدات الحشرية بما يفوق المعدلات المسموح بها.

وأشارت إلى أن غالبية المزارعين يتجهون لإنتاج منتجات متشابهة رغم توفر الإمكانات لإنتاج محاصيل متنوعة وتحتاجها السوق.

من جهته، رأى نائب رئيس جمعية المهندسين الزراعيين فؤاد خليفة أن دعم استمرار القطاع الزراعي يتطلب وجود أساس تنظيمي سليم، يحكم المشروعات التنموية الزراعية من كل نواحيها، وجهات رسمية تدعم اتخاذ وتنفيذ خطوات جادة في الإصلاح الزراعي، بما لا يتعارض مع الإستراتيجية الوطنية.

أما النائب غازي آل رحمة، فقد أكد أن إنعاش القطاع الزراعي وضمان استمراريته يتطلب وضع هدف تنمية ودعم القطاع الزراعي على رأس أولويات برنامج عمل الحكومة، إلى جانب استكمال الجهود المبذولة في تنمية هذا القطاع.

دعم المزارعين

عضو مجلس بلدي الشمالية فيصل شبيب انطلق في حديثه من مبدأ أن “من لم يأكل من أرضه فهو فقير”، مؤكدا ضرورة توجيه سياسات الجهات المعنية بالقطاع الزراعي نحو توفير الاحتياجات الغذائية من المزارع المحلية.

وذهب إلى أن البحرين تملك المقومات الجيدة لقيام نشاط زراعي حيوي، يساهم في تحقيق الأمن الغذائي مساهمة فعالة، وأن المزارعين يحظون بمستوى جيد من الدعم.

وانتقد إهمال المزارعين لدورهم في توفير الأمن الغذائي، وتركيزهم على جني الأرباح، مما أفقد المنتج المحلي تنوعه.

ورأى أن ذلك يعود إما لضعف رقابة الجهات المعنية بالقطاع الزراعي حول كيفية استثمار المزارعين للدعم المقدم لهم، أو أنه يعود لجهل المزارعين بدورهم في توفير الأمن الغذائي.

من جانبه، رأى الوداعي أنه رغم التراجع الملحوظ في الرقعة الزراعية بسبب رغبة ملاك الأراضي في تحقيق الثراء السريع، وتحويل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية إلى مشاريع سكنية استثمارية، إلا أنه تبقى هناك مساحة لبناء مشروع زراعي تدعمه الدولة، وإصدار قانون يحظر تحويل الأراضي الزراعية إلى استثمار سكني.

وأكد أهمية التخطيط في دراسة ما تبقى من الأراضي الداخلة في ملك الدولة، إلى مشاريع زراعية، وتوفير متطلبات دعم المزارع والانتاج الزراعي البحربني ليكون قادرا على المنافسة والعمل المنتج، وبما يساعد المزارع البحربني على الإبداع في عمله الزراعي.

سوق المزارعين

للمبادرات الزراعية في المملكة قصص نجاح تصدرتها سوق المزارعين البحرينيين الموسمية في الحديقة النباتية التابعة لشؤون الزراعة بمنطقة البديع.

يقول وزير الأشغال والبلديات عنها في رده على سؤال برلماني:”قد لاقى السوق – بحمد الله وتوفيقه – نجاحا كبيرا وسمعة طيبة محليا وإقليميا باعتباره تجربة رائدة في هذا المجال”. نجاح هذه التجربة دفع الوزارة ممثلة في وكالة شؤون الزراعة بالتعاون والتنسيق مع المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي وبنك البحرين للتنمية إلى إقامة سوق أخرى دائمة للمزارعين، تدعم استفادة 60 مزارعا بحرينيا من الخدمات التسويقية لذلك السوق على مدار العام.

صاحبة مشتل الكركديه فاطمة موسى تحدثت عن تجربتها في سوق المزارعين الدائمة في هورة عالي.

تقول فاطمة: “حصلت على محل في سوق المزارعين بهورة عالي، وكان رقم المحل 4، إلا أنني لم ألبث حتى تركت المحل بعد شهر واحد فقط”.

حول أسباب تركها للمحل، تشير فاطمة إلى أن تصميم السوق لم يكن ملائما لبيع منتجاتها، إذ يتطلب بيع شتلات الفواكه والخضار والزينة مكانا مفتوحا يسمح بوصول أشعة الشمس إليه، وهو ما لم تتوفر عليه السوق. ولفتت إلى أن السوق يشكو من قلة الزبائن وضعف وسائل التسويق والدعاية له، إلى جانب اشتراط وجود صاحب النشاط في المحل، دون السماح لتواجد آخر بديل، طوال فترة عمل السوق، مما يشكل عائقا أمام قيام صاحب المحل بأعمال الإنتاج.

هورة عالي

رغم ما تتمتع به هورة عالي من أهمية إستراتيجية، إلا أن سوقها لم تكن قادرة على تحقيق شيء من النجاح الكبير الذي حققته سوق المزارعين الموسمية في البديع.

يضاف إلى ذلك، ما كشفه وزير الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني عصام خلف في إحدى جلسات البرلمان الماضية، عن ضياع فرص استثمار عدد من الأراضي الزراعية المؤجرة في هورة عالي، والعمل على مراجعة عقود استثمارها.

يقول رئيس جمعية المهندسين البلدي محمد توفيق إن مركز هورة عالي للتنمية الزراعية، والذي تم افتتاحه في 1988 يعد من أكبر الأراضي الزراعية في البلاد، تم استصلاحها بالاعتماد على مياه الصرف الصحي المعالجة في محطة توبلي في ري المزروعات، ثم تآكلت نتيجة الزحف العمراني والخدمات العامة.

وأشار إلى أن هذا المركز اكتسب أهميته من خلال استغلال ما تبقى به من مساحات في إقامة مشاريع زراعية عدة، كمركز الحاضنات الزراعية والمختبرات الزراعية إلى جانب سوق المزارعين الدائم، وطرح عدد من أراضي المركز للاستثمار الزراعي.

حول هذا الموضوع، يوضح النائب أحمد الدمستاني أن أسباب ضياع فرص استثمار الأراضي في هذا المركز يعود إلى كون الوزارة لم تتأن في دراسة تقسيم الأراضي في هورة عالي بشكل صحيح، فمن لم يكن مزارعا أصبح كذلك بالاسم فقط.

ولفت إلى عدم استغلال المساحات الشاسعة من الأراضي في هورة عالي بشكل صحيح، من خلال توزيعها على المزارعين الفعليين الذين ورثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم، بما يساهم في تنشيط سوق المنتجات الزراعية، وتحقيق الأمن الغذائي في المملكة.

استدامة القطاع

كل ذلك يؤكد الحاجة إلى البحث عن السبيل نحو إعادة طرح النشاط الزراعي في ثوب جديد، يمكنه من الاستمرار ويحقق لهذا القطاع الاستدامة المنشودة.

في هذا الصدد، قال النائب غازي آل رحمة إن الزراعة نشاط إنساني واجتماعي وثقافي، ومع تنوع الاستثمار في هذا القطاع، تزدهر الكثير من القطاعات الأخرى السياحية منها والاجتماعية وغيرها، علاوة على دورها الأساسي في تحقيق الأمن الغذائي.

ونوه فؤاد خليفة بدور المجتمع الكبير في إبراز الطاقات الشبابية وتحفيزها على المشاركة في الأنشطة الزراعية، وتعزيز الوعي الزراعي بأهمة وكيفية المحافظة على الأرض الزراعية، مما يساهم في تعزيز روح الولاء والانتماء للوطن وتوفير فرص عمل جديدة في الانتاج الزراعي.

ورأى أن هورة عالي تمتلك مقومات مهمة لقيام مشروع سياحي ثقافي داعم لتوفير الأمن الغذائي، وذلك من خلال استغلال المشروعات القائمة كالحاضنات والمختبرات الزراعية وسوق المزارعين، ودعمها بالخبرات الإدارية والقوة البشرية الماهرة، التي يمكن لها أن تضمن نجاح هذه المشروعات. وأشار إلى إمكان استغلال هذا المركز في مجالات التدريب ونشر الوعي بكيفية الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا الحديثة في دعم قيام مجمعات زراعية تقنية متكاملة، إلى جانب تشجيع إنتاج صناعات زراعية محلية؛ للتقليل من التكاليف، ودعم التخطيط الإستراتيجي في الاستثمار والبحوث الزراعية.

وذكرت عاشة سيادي أن هناك فرصة لإنتاج أصناف عديدة من المنتجات الزراعية في البحرين، ومن خلال استخدام عدة تقنيات زراعية، سواء العضوية أو المائية وغيرها، فضلا عن إمكان استغلال تلك المنتجات في المنتجات الغذائية التحويلية كالمخللات والصلصات والعصائر والحلويات وغيرها.

ولفتت إلى أن تغير مفهوم النشاط الزراعي وإدخال بعض الأنشطة السياحية والترفيهية إليه ستساهم في دعم القطاع الزراعي.

وذهب الناشط في المجال الزراعي علي السليطي إلى أن اعتماد النشاط الزراعي على الزراعة لوحدها لم يعد كافيا لضمان استمرارية هذا النشاط، وأنه بات من الضروري التخطيط لوضع تصور لقيام مشروع زراعي سياحي متكامل، يمثل نموذجا حديثا لممارسة النشاط الزراعي.

وعاد آل عباس للتأكيد على أهمية استكمال أعمال البنية التحتية لمركز هورة عالي، بما يدعم تمكين المزارعين والمستثمرين للوصول الى الانتاج المستهدف.

وأشار إلى إمكان تأهيله ليكون مركزا وطنيا وإقليميا للدراسات والبحوث الزراعية، ومركزا للتدريب والتأهيل على الأساليب الزراعية الحديثة.

ولفت إلى أن موقع المركز الإستراتيجي المتوسط لمملكة البحرين، يؤهله ليكون معلما بيئيا ومقصدا للسياحة العائلية على غرار محمية العرين، الأمر الذي يحقق الاستفادة المثلى من هذا المركز.