+A
A-

“Black Mirror”.. وتعرية التكنولوجيا

يستعرض مسلسل “Black Mirror” في “نتفلكس” سلسلة مقتطفات من الخيال العلمي وشكل المستقبل القريب فائق التكنولوجيا، إذ تتصادم أروع اختراعات البشرية مع أحلك الغرائز في واحد من أكثر المسلسلات التي لفتت الأنظار حول العالم.
وتدور الأحداث في العالم المستقبلي، لترينا لمحة من الغد، عندنا تصبح التكنولوجيا أكثر هيمنة على حياتنا، ولكن في الأغلب لن يعجبك هذا التنقل، إذ سترى في مرآة الغد سوادًا يجعلك تفضل عالمًا أكثر بساطة دون أي تعقيدات أو تكنولوجيا.
ومسلسل “Black Mirror” واحد من أعظم العروض التلفزيونية التي يمكن أن تشاهدها، وواحد من أعظم المسلسلات في التاريخ، التي لا يمكن أن تكون خيالية علمية أبدا، بل واقعية جدا بمرارة كبيرة.
وجذب هذا المسلسل البريطاني الانتباه رغم قيامه بالأساس على فكرة التكنولوجيا وما يمكن أن تفعله فينا وما الذي يمكن أن نفعله لو امتلكنا مقاليد التكنولوجيا، ويعتبر من أكثر المسلسلات التي تحتوي على إشارات خفية للأحداث والأشخاص وتربط العمل ببعضه لتحل القليل من غموضه، وبسببه استطاع “Black Mirror” تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة منذ عرض موسمه الأول نهاية 2011، وكان الموسمان الأول والثاني من إنتاج “channel 4” البريطانية، قبل أن يتم شراء السلسلة من قبل “نتفلكس”.
ورغم تفوّق الموسمين السابقين بأشواط على الأخير، إلا أن البعض اتجه إلى لوم “نتفلكس” على تخريب المسلسل راجين “إعادته إلى البريطانيين”.
ويستخدم اليوم ما يزيد على 4 مليارات إنسان الإنترنت، ويقضي غالبية شباب هذا الجيل معظم وقته على مواقع التواصل الاجتماعي، نتشارك مشاعرنا وإنجازاتنا الشخصية والمهنية من خلال التطبيقات، ونحتفظ بوثائقنا مهما بلغت درجة أهميتها من خلاله أيضًا، هذا نوع من الإدمان لا يبدو أننا قادرون على التوقف عنه، ولعل من اهم أسباب نجاح هذا المسلسل والذي ننصح بمشاهدته حالا هو محتوى الأفكار التي بدأها وطورها الكاتب “تشارلي بروكر”، وجعلت من المسلسل معجزة حقيقية من حيث الكتابة في كتابة كل حلقة.
وذكرنا عبر القناة الرابعة البريطانية في 2011 عرض الموسم الأول من المسلسل والمكون من 3 حلقات فقط، ليأتي الموسم الثاني في 2013 مكون أيضًا من 3 حلقات تم إتباعهم بحلقه رابعة في ديسمبر من نفس العام.
اتسم الموسمان الأول والثاني بالسوداوية الشديدة والمريعة، ما جعل “نتفيلكس” تقلل من جرعة السواد وتدخل مساحة نفسية على الحلقات بعد انتقال العمل إليها ليخرج الموسم الثالث شديد التميز ولكن أقل قتامة، وقد عُرض في 2016 في 6 حلقات، ليأتي الموسم الرابع وهو الأفضل من حيث تنوع الحلقات وربطها ببعضها البعض، وعُرض في 2017 من 6 حلقات أيضًا، أخيرًا تم عرض حلقة خاصة بمثابة فيلم تفاعلي بعنوان
“black mirror bandersnatch”، إذ يستطيع المتفرج اختيار خطوات البطل التالية، في الوقت نفسه.
وفي الموسم الخامس 2019، تبدل لعبة فيديو صداقة قديمة، وتواجه شركة تواصل اجتماعي أزمة رهينة، وترتبط مراهقة بنسخة ذكاء اصطناعي لنجمة بوب “مايلي سايرس”محبّبة لديها.
وميزة الإخراج بارع جدا في المسلسل، إذ استطاع أن يحافظ على التخييل في ذهن المشاهد بتصديقه أن هذا يحدث في عالم آخر وفي مستقبل قريب، لكن في نفس الوقت يربطه بالكثير من الأحداث والمواقف والواقع الذي نعيش فيه، الإخراج فعلا استطاع أن يعطي كل شيء حقه، مشاهد الأكشن حقها ومشاهد الدراما حقها ومشاهد التكنولوجيا حقها، وكانت حلقة “Nosedive” وهي الحلقة الأولى من الموسم الثالث، من اهم الدروس عبر إلقاء الضوء على تدخل وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا الشخصية، لدرجة تجعلنا نحكم على الآخرين من خلال تقييمهم الذي عادة ما تكون ورائه شخصية مزيفة، وكلما زادت حقيقة الشخص كلما انخفض تقييمه وبات مطرودا من الحياة الاجتماعية.