+A
A-

أحمد النعيمي .. من مطبخ “بابكو” إلى رئيس تنفيذي لـ “ألبا”

تعرض والده لحادث فترك الدراسة ليعمل يافعا

من واقع تجربته: “لا تتخذ قرارا وأنت غضبان”

غزو الكويت” أرهب البنوك من تمويل الخط الرابع

النعيمي بعد التقاعد.. رجل أعمال إنساني

في 1986 عين مديرا عاما للشؤون المالية في “ألبا”

في 1978 حصل على شهادة محاسب قانوني من بريطانيا

أكبر تحدٍّ يواجهه هو تمويل الخط الرابع في “ألبا”

 

  الرئيس التنفيذي السابق لشركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، أحمد صالح النعيمي (من مواليد المنامة 1950)، عركته الحياة منذ طفولته، بيد أن المستقبل أخفى له الكثير من المفاجآت الصعبة والسارة في آن. ورغم الإحباطات التي أعترت بداية مشاوره وأدت لترك مقاعد الدراسة مبكرا، إلا أن تلك التحديات جعلت من (أبو كميل) أحد الشخصيات الإدارية والصناعية البارزة.

خلال 35 عاما قضاها في “ألبا” تمكن النعيمي وبفضل جهود مشتركة مع زملائه من خلق أحد أهم الكيانات الصناعية بالمنطقة، عبر قصة نجاح تمثلت في توسعة الشركة عبر إضافة الخط الرابع والخامس.

بدأت قصة كفاح النعيمي، حين تعرض والده لحادث أقعده عن العمل وأدى لإغلاق محله التجاري، ليقرر الابن ترك مقاعد الدراسة وهو بالصف الرابع الابتدائي وعمره 12 ربيعا ويأخذ على عاتق مسؤولية الأسرة، رغم رغبة والده في استكمال دراسته.

تقدم النعيمي بطلب للعمل في شركة نفط البحرين (بابكو)، وقد اجتاز المقابلة، إلا أنه أبلغ بأن الشواغر حاليا نفدت خصوصا أن صغر سنه (ما بين 11 و12 عاما) لا يساعده. ألحَّ الفتى وقد اغرورقت عيناه بالدموع وهمّ بالبكاء لفقد الوظيفة، قبل أن يخبره المسؤول بأن هناك وظيفة واحدة شاغرة تختص بالمطبخ، وكان حينها لا يعرف النعيمي مصطلح “ catering”، فأصر على الحصول عليها، وقد استجيب لرغبته.

فرصة تدريب ممتازة

بعد التحاقه بـ “بابكو”، حظي النعيمي  بفرصة تدريب ممتازة من خلال ورش العمل، إذ التحق بدورة أكاديمية ومهنية استمرت عامين قبل أن يباشر العمل في الطبخ لنحو ثلاثة أشهر، حيث كان العمل بنظام النوبات ولبعد مقر الشركة قرر السكن في منطقة عوالي، حيث يبدأ الدوام في الساعة السادسة.

كان السكن في عوالي ينقسم إلى ثلاث فئات، إحدها للأجانب، والثانية للهنود، والثالثة للبحرينيين، وكانت هي الأقل من ناحية المستوى. لم تشعر عائلة النعيمي بالارتياح لبعده عنها، الأمر الذي دفعه إلى البحث عن وظيفة أخرى مستفيدا من حصوله على شهادة التدريب الجيدة من “بابكو”.

في العام 1964 توفق في الحصول على وظيفة بالبنك البريطاني للشرق الأوسط حينها “أتش اس بي سي” وفي تلك الأيام لم تكن هناك أجهزة حديثة للتعامل مع الزبائن، إذ كانت المعاملات تتم وجها لوجه؛ الأمر الذي أكسبه القدرة على التعامل مع الناس ومواجهة المشكلات.

بنكان يتبنان الحسابات بحرب 1967

ويتذكر النعيمي حرب يونيو 1967، حيث كانت هناك موجة إغلاق للحسابات بالبنوك الأجنبية جراء ظروف الحرب، بينما كان البنكان المحليان الوحيدان وهما البنك العربي المحدود وبنك البحرين الوطني يقومان بافتتاح الحسابات لأولئك الزبائن الذين اتجهوا للبنوك الوطنية، في ظل صعود القومية العربية.

وطوال الفترة التي كان النعيمي يعمل فيها في البنك، انتهز الفرصة للدراسة بالانتساب في أحد المعاهد في بيروت، كما كان يباشر عملا آخر في نفس الوقت بدوام جزئي، إذ لا يجد سوى فترة قصيرة للقيلولة بين هذه الالتزامات. كان لديه طموح لاسترجاع الفترة التي فقدها بمقاعد الدراسة واستكمال الدراسة الثانوية، ليواصلها من المنازل إلى أن حصل على الدبلوما التجارية، وفي ذلك الوقت كان معه زميل الدرب خليل البلوشي. طلب الاثنان من البنك الحصول على منحة للتدريب، إلا أن ذلك لم يكن من أولويات القطاع الخاص حينها. وطلبا أيضا العمل في الفترة المسائية؛ ليتسنى لهم استكمال دراستهما، وبالفعل وافق البنك على طلبهما، لينتقلا إلى كلية الخليج الصناعية وينخرطان في الدراسة بالفترة الصباحية.

سانحة “ألبا”

أثناء فترة دراسته في الخليج الصناعية، قدم النعيمي أوراقه للعمل بشركة “ألبا”، ودخل مقابلة توظيف مع رئيس المحاسبين، بيد أن وجود أحد المسؤولين بالشركة (الذي يعتقد أن النعيمي “شايف روحه”)، حال دون تعيينه. وبعد أن استكمل دراسته بكلية الخليج الصناعية وحصل على شهادة في الدراسات التجارية في العام 1974، كانت هناك الكثير من المنح التي تأتي لخريجي الكلية، ومن ضمنها لشركة ألبا، فطلب ممثل “ألبا” تقديم أوراقه مرة أخرى، ليقابله نفس المسؤول الذي أبعده أولا، لكن هذه المرة كانت مختلفة، ليخبره المسؤول في نهاية المقابلة، قائلا “كنت أبحث عن شخص يأخذ مكاني في يوم من الأيام، والآن حصلت عليك”.

بعد أسبوعين من اللقاء مع مسؤول “ألبا”، بدأت رحلة النعيمي للدراسة بالخارج، وذلك ضمن  مجموعة من المبتعثين من الشركة بلغ عددهم نحو  40 طالبا من نفس الكلية.

وفي العام 1978 حصل النعيمي على شهادة مؤهل محاسب قانوني من بريطانيا، لتسند له أول مهمة في “ألبا”، وهي رئاسة المحاسبة في قسم المالية.

يعتقد النعيمي أنه على الرغم من الطيف الواسع للخبرات في المحاسبة، فإن هناك مجال أكبر للتطوير. واجهته في البداية صعوبة في تقبل التغيير ومقاومة هذا التغيير، إلا أن ذلك لم يثبط همته، فجاءته فكرة إعداد دورة تدريبية للشباب في أسس المحاسبة. ومن خلال هذه الدورة، اكتشف نقاط ضعف الموظفين، دون أن يخبرهم بطريقة مباشرة مما ساهم في إقناعهم بالتغيير.

ولم يكن هذا التحدي هو الوحيد الذي واجه النعيمي في بداية مسيرته الطويلة في “ألبا”، فهو رجل يحب الإحاطة وفهم كل شيء يتعلق بطبيعة عمله، ولذلك كان كثير التساؤل فيما يتعلق بالميزانية أو التأخير، لذلك كان يزور مواقع المشاريع؛ ليستطيع التحدث مع القائمين على الشركة بنفس اللغة التي يراها لطبيعة العمل.

قرار متسرع بالاستقالة

يحكي النعيمي قصة اتخاذه قرار متسرع  بالاستقالة، والدرس الذي استفاده من هذه التجربة، قائلا “لا تأخذ قرارا وأنت غضبان”، وتتلخص الحكاية في أنه كان يتولى مسؤولية قسم المحاسبة، بينما كان هناك قسم آخر يرأسه زميل أجنبي، وكان القسمان يتبعان لمدير المالية. وفي أحد الاجتماعات أعلن مدير المالية أن النعيمي سيكون قائم مكان زميله في غيابه، لكن قبل نهاية الدوام تأسف له المدير، وقال له إن المدير العام رافض فكرة أن يقوم هو بالإنابة، وهو ما جعل النعيمي مستاء للغاية، وحينها كانت نهاية الأسبوع، قبل أن يأخذ قراره بتقديم استقالته، وذلك بعد إجازة الأسبوع، خصوصا أن شركة كبرى قابلته، وكانت تحاول استقطابه.

بعد الإجازة، تلقى النعيمي طلبا من مدير عام الشؤون المالية، وبين أنه لاحظ عليه علامات انشغال البال، فصارحه النعيمي عن استيائه من التراجع عن تكليفه لإنابة مديره، فرد عليه المدير العام بأن “ألبا” على وشك إعلان تعيينات للبحرينيين، وأنه (النعيمي) من ضمن هذه التعيينات، وكنوع من ترضية لزميله الأجنبي تم اتخاذ قرار أن يقوم هو بإنابة مدير المالية.

وبعد هذا اللقاء، كانت صدمة النعيمي، الذي كان على وشك الاستقالة ولم يكن يعلم الخفايا الحقيقية للحادثة.

وبإيعاز من المدير العام، اتصل له مدير التدريب، وقال له إن الشركة تعمل على برنامج تدربيي على مرحلتين، الأولى معلنة، والأخرى غير معلنة، الأولى لمنصب مدير، والثانية لمنصب مدير عام، ليعدل النعيمي عن قراره بالاستقالة.

وبعد فترة استلم النعيمي البرنامج التدريبي، وكان من ضمنه انتدابه لشركة “ارنست ويونغ” لمدة عام، وبعدها زيارة إلى “كايزر” للألمنيوم في أميركا، والتي تمتلك حينها حصة في شركة “ألبا” لمدة نحو ستة أشهر.

وبعد أن أتم هذين البرنامجين، عاد إلى البحرين واستلم منصبه كمدير لإدارة المحاسبة الإدارية، وأعد له حينها برنامج للتطوير، أحدها في جامعة “هارفرد”، والثانية في جامعة “كروانفيلد”.

في العام 1986 عين النعيمي مدير عام للشؤون المالية في “ألبا”، وتقع تحت مسؤوليته دوائر مختلفة، وبحكم هذا المنصب حضر اجتماعات مجلس الإدارة، وكان هناك وزراء معروفين حينها من البحرين والسعودية مثل يوسف الشيراوي وغازي القصيبي.

ورغم الرهبة، كان يتذكر كلمات وأسلوب الشيراوي الذي يزرع الثقة في الأشخاص الذين يعملون معه.

 

تمويل الخط الرابع في “ألبا”

وخلال توليه دائرة الشؤون المالية، برز أكبر تحدٍّ يواجه النعيمي في تاريخه المهني، وهو تمويل الخط الرابع، إذ كان حينه مشروع ضخم على مستوى البحرين بكلفة 1.5 مليار دولار، فعمل على إعداد مقترح أو ورقة أولية لعرضها على مجلس الوزراء عبر مجلس الإدارة، والتي حظيت بالموافقة، لينطلق بعدها جهد شاق لجمع التمويل والتفاوض مع النبوك ومؤسسات تمويل الصادرات العالمية. لم يتعامل النعيمي مع مشروعات بهذا الحجم، إذ كان أكبر مشروع عمل عليه من قبل بحجم 110 ملايين دولار.

وفي العام 1990، سار العمل على قدم وساق للتوقيع النهائي على تمويل خط الصهر الرابع، والذي أقيم له حفل كبير بتاريخ 17 يوليو، وبعدها تلقى النعيمي رسالة من ثلاثة أسطر من الرئيس التنفيذي كانت محفزة لأبعد الحدود وفحواها “بعد الشكر، هذا الإنجاز في هذا العمر الزمني، يبشر بمستقبل زاهر في عملك  بالشركة”، حيث أخذ النعيمي الخطاب لمكتب الرئيسي التنفيذي، وقال له  “إن الخطاب لا يفترض أنه يوجه له بل لزوجته، فلولاها لما حصل على الاهتمام والرعاية الكافية ليركز على عمله ويساهم في هذا الإنجاز” .

ورغم توقيع القرض، إلا أن ذلك لا يعني استلام الأموال مباشرة من البنوك، إذ كانت هناك إجراءات أخرى، وفي 19 يوليو ذهب النعيمي في إجازة مرتاح البال بعد أن وقع مع بنكين محليين لقرض مؤقت أو bridge loan للبدء بالمشروع.

وطوال الإجازة كان على اتصال بالبحرين، وفي 2 أغسطس 1990، اتصل بالشركة ولم يكن هناك رد، لم يطلع على الأخبار يومها، ليعلم لاحقا  وقوع “غزو الكويت”. “اتصل عليّ الرئيس التنفيذي، مشيرا الى إلغاء الإجازة والتوجه إلى لندن للعمل على إقناع البنوك للالتزام بتمويل المشروع، وتلقيت اتصالا في هذه الفترة من أحد مديري البنكين المحليين طالبا الانسحاب من القرض، فأخبرته أننا نعمل في نفس البلد ومخاطرنا نفس المخاطر”.

ذهب النعيمي إلى لندن وكانت عملية إقناع البنوك الأجنبية غير سهلة، إذ ترى أن الوضع غير مطمئن، لكن تم إقناعهم. وفي يناير 1991 رجع  للبحرين وتم توقيع عقود مع مراكز تمويل الصادرات التي كانت تعلم بقرب نهاية الحرب، فرغم أن دوي الصواريخ كان يسمع في فبراير، إلا أن مبالغ التمويل كان يتم سحبها.

وبعد إنجاز الخط الرابع، طلب الرئيس التنفيذي من النعيمي مغادرة مكتبه لمدة عامين للعمل في مختلف أقسام الشركة، وكانت فرصة له للحصول على شهادة الماجستير في العلوم الإدارية من جامعة بوسطن في 1994.

 

العمل بمختلف الأقسام

ويبدو أن توجيه النعيمي للعمل في مختلف الأقسام، لإعداده مستقبلا لتولي منصب الرئيس التنفيذي، إذ عمل بين العمال وفي الأفران وفي مختلف المهن بالشركة.

في 2002 أصبح نائبا للرئيس التنفيذي للشؤون التجارية، كما أسند له مصنع تكليس الفحم، إذ استطاع بفضل جهود الموظفين والعمال من نقل المصنع للربحية بعد أن كانت الشركة تفكر في شريك فيه أو بيعه.

ومن المحطات التي مرت على النعيمي، وهو رئيس تنفيذي لـ “ألبا” فترة الكساد في 2008، إذ عمل مع فريق الشركة على تقديم خطة لخفض التكلفة إلى مجلس الإدارة بصورة تلقائية من الإدارة التنفيذية.

وقبل أن يتقاعد ضيفنا ويغادر الشركة في 2009، ساهم في إعداد دراسة الجدوى الخاصة لخط الصهر السادس.

وبعد تقاعده عمل النعيمي على تأسيس شركة استشارية تعمل في القطاع الصناعي، كما أسس عددا من الشركات الاستثمارية تنشط في عدد من الأعمال من بينها استثمارات في البوسنة والهرسك.