+A
A-

البحرين بيت خبرة عالمي في صون حقوق العمالة الوافدة

جاء توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة تنظيم سوق العمل، والمكتب الإقليمي لمكافحة الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة، لإنشاء أول مركز خبرة في الشرق الاوسط لمكافحة الإتجار بالأشخاص مقره البحرين، ليؤكد نجاح الجهود التي تقودها المملكة في مجال مكافحة هذه الجريمة العابرة للحدود والتي تناقض الأسس والمبادئ التي بنيت عليها الحضارة الانسانية.

ويتزامن هذا الإنجاز الحقوقي الجديد الذي تحققه المملكة مع تصنيفها وللمرة الثانية على التوالي ضمن فئة الدول الأكثر نجاحا وتقدما في مكافحة الإتجار بالأشخاص (TIER 1)، وذلك بحسب تقرير الخارجية الأميركية المعني بمكافحة هذه الجريمة الدولية هذا العام، الذي اعتبر أن السياسات والإجراءات التي اتخذتها البحرين على مدار السنوات السابقة لمجابة هذه الظاهرة وتداعياتها تعد من أفضل الممارسات على مستوى العالم، ويمكن لكثير من الدول الاحتذاء والاهتداء بها.

جهود وطنية متميزة

هناك ارتباط وثيق بين النجاح البحريني في تأسيس أول مركز إقليمي متخصص في آليات التعاطي مع ضحايا الإتجار بالبشر في المنطقة وبين الجهود المبذولة من مختلف أجهزة الدولة للتصدي لأي انتهاكات تمس حقوق الفرد والمجتمع على السواء، وفي القلب منها الحقوق العمالية، حيث تُصنف المملكة وبحسب العديد من التقارير والمسوح الدولية بأنها من أفضل الوجهات التي تقصدها العمالة الوافدة للعمل والعيش بها نتيجة استقرار منظومة العمل بها ومستوى الأمان الذي تتمتع به.

وتأتي هذه الجهود الوطنية المميزة في مجالات مكافحة الإتجار بالأشخاص وسط اهتمام وتقدير كبيرين بفحوى رؤية عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الداعمة لصون وحماية حقوق الإنسان في المملكة، والمسيرة التنموية الشاملة التي يقودها جلالته وما تتخذه بهذا الصدد من الإستراتيجيات التي تعلي من شأن الإنسان وترتقي بحقوقه وحرياته وتحفظ حياته وكرامته دون تمييز بين عرق أو لغة أو دين.

وبدا ذلك واضحا بالنظر للعديد من المنجزات الحقوقية التي تحققت على هذا الصعيد في السنوات الماضية، والتي لم تكن لتحدث دون هذا الدعم غير المحدود من لدن جلالة الملك، حيث تعد مملكة البحرين من أوائل دول العالم التي اهتمت بإصدار قانون متخصص ومتفرد لمكافحة جريمة الإتجار بالبشر، وذلك في القانون رقم 1 لسنة 2008، الذي اعتبر حينها من أهم المبادرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة ككل بتناغمه التام مع بروتوكول باليرمو الذي يعد مرجع الأمم المتحدة الرئيس في الاطر القانونية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، وجسد حقيقة التزام البحرين بالمعايير للدولية ذات الصلة.

كما أن البحرين سبقت كثيرا من دول المنطقة، بل والعالم في تحديد طبيعة ومهام الجهات المعنية برعاية وحماية ضحايا الإتجار بالبشر، والسبل الكفيلة بمنعها والحد منها، بداية من الأجهزة الأمنية والعدلية والقضائية، وذلك بحسب قانون العقوبات وغيره التي تجرم وتعاقب كل من يتعسف في انتهاك حقوق العمالة، وانتهاء بالأجهزة والجمعيات العمالية والحقوقية والنقابية أيضا التي لم تدخر أي جهد في تنظيم عملية استقدام العمال ومتابعة شؤونهم ورعاية حقوقهم العملية منها والإنسانية عموما.

وفي هذا الشأن، يبرز ما يُعرف بنظام الإحالة الوطني التي ميز تجربة المملكة في مجال الحد من انتشار جريمة الإتجار، وهي المنظومة الأولى من نوعها في المنطقة العربية والتي دشنت العام ٢٠١٦، وتحولت مؤخرا إلى منظومة رقمية تعد الأولى في العالم بشهادة المنظمة الدولية للهجرة، والتي كانت محل إشادة الجهات والتقارير الدولية المتخصصة؛ لكونها اكثر من إداة لإدارة القضايا وتحريكها بين مختلف الجهات، بل فوق ذلك قاعدة بيانات قادرة على استخلاص الممارسات على أرض الواقع والتنبؤ بمكامن الخلل والضعف لإصلاحها قبل تفاقم آثارها.

وتعد هذه المنظومة الإدارية، القانونية، الرقمية المتطورة سببا في زيارة الوفود المختلفة للبحرين للاطلاع عليها، ودعوة المسؤولين البحرينيين كخبراء وكمدربين إلى عدد من دول المنطقة؛ للاستعانة بخبرتهم، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ القرار بإنشاء مركز خبرة بحريني يدعم الريادة البحرينية في هذا المجال، ويوفرها لدول المنطقة ايماناً من البحرين بالمسؤولية الانسانية التي تأتي مع هذه الريادة والتطور.

وتم اختيار مكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات كشريك يوفر الدعم الفني للمركز الجديد والمنتظر تدشين أعماله بداية 2020 لتولي مهمة توثيق الإجراءات في أدلة وبرامج عمل معتمدة من الأمم المتحدة تكون نواة البرامج التدريبية، ونقل الخبرات الأممية والبحرينية في المجال، عبر رصد ومتابعة بواعث ومسببات الجريمة وسبل منع انتشارها ومكافحة إخطارها والحد من أي تداعيات محلية أو دولية من جرائها، والتعرف على ضحاياها، ورعايتهم وإعادة تأهيلهم.

تجربة سباقة ورائدة

وتتميز التجربة البحرينية في مجالات مكافحة جريمة الإتجار بالأشخاص بالعديد من السمات.

أولها: أنها سباقة بحكم المبادرات التي تقدمها، ودليل ذلك تدشين صندوق دعم ضحايا الإتجار بالأشخاص، وإصدار الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، وتصريح العمل المرن، وهو المشروع الذي اعتمدته الأمم المتحدة كأحد أفضل الممارسات الدولية، وكذلك نظام عقود العمالة المنزلية الثلاثية الجديدة الذي بدأ سريانه في ديسمبر 2017 وضرورة الالتزام بها عبر إجراءات محددة سلفا.

ثانيها: نموذج التنسيق والتعاون مع كبريات الهيئات الدولية المتخصصة، وقد أسهم في تبوؤ البحرين هذه المكانة الدولية المرموقة في مجال المكافحة، ولا يقتصر الأمر هنا على المكتب الجديد الذي يعد نتاج تجربة من التعاون والتنسيق الدائم بين المملكة وبرامج والأمم المتحدة المختلفة، وإنما يتجاوز ذلك ليشمل الأدوار التي يتوقع من البلاد القيام بها في مجال المكافحة، إقليميا ودوليا، حيث يبرز الجهد الوطني ضمن الجهود العالمية للقضاء على الظاهرة، وترسيخ العمل بالاتفاقات الدولية المتخصصة.

ولاشك أن إنشاء البحرين مركزا إقليميا جديدا سيتولى مهمة العمل كمركز وبيت خبرة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سيكرس مكانة مملكة البحرين وسط محيطها بوصفها الأسبق والأقدر في الحد من انتشار ظاهرة الإتجار، ويرفع من شأن الخبرات البحرينية العاملة في المجال، لاسيما أن المركز سيعتمد التجربة والكوادر الوطنية لتدريب ونقل الخبرة لدول المنطقة في مجالات آليات حماية ورعاية ضحايا هذه الجريمة.