+A
A-

ثقل الكلام

تساءلتُ بينما كنت أغرق حبًا بين سطور رواية لأحد قامات الأدب العربي: هل للكلمات أن تأتي بجمالٍ يفوق هذا؟ فقد غدت الحروف وكأنها تتراقص أمامي في لوحة فنية بهيجة وبديعة، كل حرفٍ فيها يسكب لونًا يمتع عيناي ومخيلتي. تلك الدهشة وليس سواها، التي تعتريني وأنا أقرأ سطرًا أبهرني. فأهرع لالتقاط قلمي الخطاط ذي اللون الأصفر الفسفوري لأحدد ما راق لي من أسطر وكلمات، لعلني أعود لها لأرتوي من جمالها. في أحد معارض الكتاب الكبرى أتجول، أقلب نظري في هذا الركن وذاك، فكم من العامة قد خط له سطرين فيما يسمى كتابًا أو رواية، يستقبل الجمهور المتهافت على كتاب ليس له قيمة أدبية تقاس أو تذكر. أقرأ قوله تعالى في سورة النساء: لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس، حيث النجوى بمعنى الكلام، وأدرك في نفسي، لو كان الحديث يقاس بالمكاييل في أيامنا هذه، لما كان يساوي أغلب حديثنا من المقدار شيئًا. فقد يكون القول مثقلًا محملًا لحد الإفراط بغيبة أو نميمة أو بهتان، وقد يكون خفيفًا هشًا لا ثقل له. فإذا بي أستحضر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد باتت أقرب مثال وخير دليل. تزخر بأخبار الناس وتتبّع أحوالهم اليومية بل في كل لحظة، ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون. ويتبادر إلى خاطري قول الحبيب صلى الله عليه وسلم حينما قال: سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدّق فيها الكاذب ويكذّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة. وبين كل ذلك، يحدثني قلمي ليعاتبني لغيابي عن الكتابة شهورًا ولربما بضع سنين، لم يدرك خوفي من ألاّ تحتضن كلماتي أي قيمة أو معنى يذكر. فالكلمة إما حجة لك أو عليك، وحسبك قوله: ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيب عتيد. فاختر من حديثك أوسطه، أجمله، وأنفسه.

روان عبدالرحمن الهرمي