+A
A-

أسامة معين .. المكانة الاقتصادية المرموقة من رحم المعاناة

كل دولة بالخليج لها مميزاتها ولكنني أكن محبة خاصة للبحرين

دخلت معترك البنوك منذ 1984 ولا زلت فيه

تعلمت أن الحرام لا يبقى بل يأخذ معه الحلال

رضا الوالدين يقود إلى التوفيق والنجاح

المتعة الحقيقية حينما تحقق أحلامك بعرق جبينك

لا أنسى دور أحد أساتذتي في تكوين شخصيتي

يجب أن يسعى الشباب لاكتساب أرزاقهم

 

 

يؤمن بمقولة “رب ضارة نافعة” وأن الله يكتب دائمًا الأفضل. وعلى الرغم من أنه عانى لسنوات عدة بعد هجرته من الكويت أثناء الغزو العراقي الجائر، إلا أنه أصبح بعد ذلك مواطنًا بحرينيًا. لا يهاب ضيفنا رجل الأعمال أسامة محمد معين، الصعوبات والمعوقات كما أسلفنا، فالعوائق الجمة التي واجهته في حياته لم يكن له دخل فيها، ومنها احتلال البلد الذي كان يقيم فيه؛ ليتمكن بعد ذلك من الخروج من نوائب الدهر هذه، صلبًا وواقفًا على قدميه بفضل من الله.

ويرى معين ضرورة أن يسعى الشباب وراء رزقه وتعليمه دون انتظار المساعدة المادية من أي شخص، وأن يكون هذا السعي دون ارتكاب ما يخالف أوامر الله؛ حتى لا يشكل حاجزًا عن الوصول إلى ما يبتغيه الإنسان.

ويعتبر والده المرحوم قدوته التي يحتذي بها في أمور حياته، إذ تعلم منه الكثير، ولا يزال يطبق ما تعلمه في حياته.

“البلاد” التقت معين، الذي يمتلك خبرة طويلة بالعمل في المؤسسات البنكية والاستثمارية، وفيما يلي نص اللقاء:

 

 

يافا... عروس فلسطين

 

تعود أصولي لأسرة فلسطينية من أشهر مدن العالم وأجملها، ألا وهي يافا (عروس فلسطين)، التي هاجر منها أهلها عند الاحتلال الصهيوني في العام 1948 وكان من ضمن هؤلاء عائلتي. وتعلم والدي (رحمه الله) في إحدى الجامعات المصرية وتخرج منها في العام 1941، وكان يحب العلم. وعلى الرغم من أنه ينتمي لعائلة غنية إلا أنه آثر أن يكون مهندسًا، إذ درس في كلية الهندسة، وأصبح مهندسًا بأول إذاعة بالمنطقة العربية هي إذاعة الشرق الأدنى في “يافا”. ووالدتي من نفس العائلة، وتزوجا ليرزقا بي في نهاية 1957.

ترعرعت وكبرت في دولة الكويت، التي أكن لها كل المحبة، فهي البلد الذي نشأت وتربيت وتعلمت فيه حيث عمل والدي مهندسًا بوزارة الصحة الكويتية.

في بداية تعليمي درست في مدرسة الراهبات، اللاتي كان لهن أثرًا كبيرًا على تربيتي نظرًا لحزمهن، ولذا أثرنّ في حياتي كثيرًا، ثم التحقت بالمدارس الحكومية في الكويت وتخرجت العام 1975 من مدرسة عبدالله السالم الصباح الثانوية، التي تعتبر من أهم المدارس الثانوية بالكويت، وتخرج منها أكثر النابغين.

سافرت بعدها للدراسة في القاهرة وتخرجت منها في 1981، وعملت في الكويت لفترة، ثم توجهت إلى لندن لدراسة البنوك والاستثمارات وحصلت على شهادتي، ومن ثم عدت إلى الكويت لبدء حياتي المهنية موظفا في البنوك الاستثمارية، إذ عملت مديرًا لمحفظة استثمارية ومدير استثمارات، ومنذ ذلك الحين ولله الحمد أنا أعمل في هذا المجال.

 

الهجرة من الكويت

 

لا أتذكر هجرة عائلتي من فلسطين؛ لأنني كنت صغيرا، لكنني أعرف معنى الهجرة وما هو اللجوء والاحتلال، وتعرضت له وشهدته في العام 1990 لدى غزو النظام العراقي الكويت، لذا هاجرت منها، وكانت المعاناة الأشد التي أثرت في حياتي.

وبالنسبة لي كشخص يعرف ما هو الاحتلال، لا أستطيع أن أعيش ببلد يخيم عليه الاحتلال، وكان أكثر ما يؤلمني هو رؤية الكويت التي عشت بها طوال عمري محتلة. إضافة إلى ذلك فإن إصابة ابنتي الكبرى “رحاب” بمرض جلدي من التلوث أثناء الاحتلال وكان عمرها أشهرا عدة فقط، جعلتني مضطرًا للخروج من الكويت والسفر إلى الأردن لعلاجها.

وبعد انتهاء فترة علاج ابنتي سافرت من الأردن إلى مدينة الإسكندرية في مصر حيث كانت والدتي (رحمها الله) تقطن فيها بعد أن ترك أهلي الكويت عقب تقاعد والدي (رحمه الله) في 1985 ووفاته في ذات العام؛ لتتكفل العائلة والدتي وأختَيّ. كانت واحدة من أصعب الرحلات التي عانيت فيها.

كل حياتي كانت هجرة، من الكويت إلى العراق ثم إلى الأردن ثم مصر، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك تأشيرات سفر، وكنت أحصل على تأشيرات سفر للدخول فقط وليس الإقامة، وبصعوبة من خلال الأشخاص الذين أعرفهم بهذه الدول. عانيت كثيرًا في هذه الرحلة مع عائلتي.

وخلال وجودي في مصر لمدة 4 سنوات، أسست شركة استشارية مع اثنين من أصدقائي، ولا تزال قائمة حتى الآن، وأعتز بهؤلاء الأصدقاء إلا أنني كنت أجد مشقة يوميًا للعمل بالشركة. صحيح أنني عملت ولكن لم يكن هذا العمل ما أصبو إليه، فحاولت مرارا الخروج إلى أي مكان، ففشلت لعوامل عديدة، ولكن في العام 1994 سنحت الفرصة ووصلت إلى البحرين في 1996.

أؤمن بالحكمة “رب ضارة نافعة”، فربنا يكتب لنا الأفضل ويجب أن نشكره ونحمده على السراء والضراء، فأنا بعد خروجي من الكويت عانيت لسنوات عدة وانتهى بي المقام في البحرين التي بدأت فيها حياتي الجديدة، وخلالها أصبحت أنتمي إلى البحرين حتى قبل الحصول على المواطنة.

 

أول زيارة للبحرين

زرت البحرين مرتين، إحداهما في العام 1987 والأخرى في العام 1991، وفي الأولى نزلت في فندق الخليج وكنتُ قادمًا من الكويت في رحلة عمل إلى معظم دول الخليج لتقديم الاتحاد الأوروبي، إذ كنت أعمل ببنك فرنسي بريطاني آنذاك، وكان معي مجموعة من الأوروبيين لتقديم عملة اليورو وغيرها من العملات إلى البنوك والمؤسسات. من ذلك الوقت أحببت البحرين؛ لأنها بلد صغير وجميل، وكنتُ قادمًا من الكويت درة الخليج التي تعتبر بلدًا ضخما بأهلها والتطور الكبير فيها، لكن الهدوء الذي تمتاز به البحرين جعلني مرتاحًا، ومن ثم زرت دولا خليجية أخرى، كل دولة لها مميزاتها الخاصة، لكن البحرين أكن لها مكانة خاصة.

وفي العام 1991 زرت البحرين ثانية وجلست فيها لمدة أسبوعين فقط لم أتمكن زيادة المدة، لكن في العام 1996 ولله الحمد استطعت الحصول على عقد مع بنك وبدأت العمل في البحرين.

عندما وصلت البحرين مع شريكة حياتي التي تزوجتها في 1988، كان لدي حينها ابنتان، الكبيرة رحاب والثانية رنا، ثم رزقت الصغرى رزان في العام 1998 بالبحرين، ونعتبرها البحرينية الأصيلة بيننا.

 

بداية العمل المصرفي

 

عملت أولا في بنك ثم تركته، ودخلت مع مجموعة في تأسيس أحد أهم البنوك الاستثمارية، ثم أصبحت رئيسًا تنفيذيًا لأحد البنوك الاستثمارية لفترة طويلة، بعدها بدأت العمل في مجال تأسيس الشركات الاستثمارية المتخصصة، ومما أفخر به أنني أسست شركة لنقل البتروكيماويات والغاز، وهي عبارة عن استثمار حكومي مع أحد المؤسسات العريقة في الدول الاسكندنافية، ومن ثم أسست فرعا لبنك خارجي، وغيرها، والحمد لله أنني وفقت في هذه الأعمال بشكل جيد. دخلت معترك البنوك منذ 1984 ولا أزال في هذا المجال حتى اليوم.

 

خبرة في عوائق الاستثمار

 

يرى معين أن الوضع الاقتصادي العالمي حاليًا سيئ جدًا، خصوصًا بمنطقتنا العربية، إذ هنالك العديد من المؤسسات المالية والبنوك لديها عوائق ومشكلات في الاستثمار والأصول، ونظرًا للخبرة التي يمتلكها في هذا المجال فإن المؤسسات المالية والبنوك تستفيد من خبرته للتخلص من أصولها غير المفيدة والعمل على إعادة هذه المؤسسات إلى العمل البنكي الذي يجب أن تركز عليه دون هذه الأصول غير المفيدة.

ويقول إنه عمل مع أحد البنوك لمدة سنتين للتخلص من الأصول السيئة، ولله الحمد ساعدتهم في التخلص من 60 % من هذه الأصول. كما يعمل حاليا مع بنك آخر؛ للتخلص من الأصول غير المفيدة.

 

حب السفر ورهاب الطائرات

 

يهوى معين السفر كثيرًا، إلا أنه يخاف من الطائرات. وزار الكثير من الدول، منها دول الخليج التي تنقل فيها وتعرف على معالمها، كما يكنّ محبة خاصة للسعودية ويحب الوجود فيها. ويعشق زيارة الكويت بين الفينة والأخرى للالتقاء بأهله وأصدقائه. وكذلك يحب زيارة الكثير من الدول العربية والتردد عليها كمصر ولبنان والأردن، وأيضًا زار دول شرق آسيا وسنغافورة وماليزيا وغيرها، لكنه يفضل السفر إلى أوروبا، حيث زار العديد من الدول الأوروبية.

ويختم معين بأنه لم يسافر في حياته إلى الولايات المتحدة الأميركية (...) معلقا “أحب السفر كثيرًا إلا أنه يعتريني رهاب من الطائرات، وهوايتي التعلم ودراسة الطيران، ولدي في منزلي الكثير من الكتب والمجالات عن صناعة الطيران وأنواعها”.

 

رضا الوالدين كنز

الوالد (رحمه الله) هو أستاذي الأكبر، وأسير على خطاه، وتعلمت منه الكثير، وتوفي والدي صغيرًا في أواخر الستينات من عمره، إذ رحل في أول شهر عملت فيه بالعام 1985. كان، له المغفرة والرحمة، مثقفًا جدًا يحب القراءة، وتعلمت منه حب القراءة، كما قدم لي الكثير من النصائح. وكان عادلا جدًا، ولا يخاف قول الحق، ويحاسب من يخطئ، ويحافظ على أصوله وتقاليده، كما يحافظ على تعاليم الدين الإسلامي، ويدعونا للمحافظة عليها. وتعلمت منه الأمانة، وعدم أخذ القرش الحرام، وأن الحرام لا يبقى بل يأخذ معه الحلال. ووالدتي (رحمها الله) أيضا تعلمت منها الكثير أيضًا، إذ تعبت كثيرًا في تربيتنا (أنا وأختيّ) مع والدي، ولله الحمد كان والداي راضيين عني قبل وفاتهما. فرضا الوالدين مهم للغاية ولا يفلح أحد في حياته من دون رضاهما.

 

ذكريات شراء أول سيارة

يؤمن معين بضرورة عمل الشباب وسعيهم للحصول على أرزاقهم، وألا ينتظروا من أحد أن يمنحهم شيئًا. ويقول: أذكر أنني بالمرحلة الثانوية كنت واقفًا في المدرسة أتفرج على مواقف سيارات المدرسين والطلبة، وشعرت بيد على كتفي وكانت يد مدرس التربية الإسلامية، الذي أثر في حياتي (رحمه الله) وكان من الأساتذة الكبار ثم أصبح دكتورًا وبعد ذلك داعية إسلاميا. أثر علي كثيرًا، إذ علمني في جميع المراحل الدراسية. سألني المدرس وقتها: عم  تتفرج؟ فأجبته أنني أتفرج على السيارات بالمواقف، فأعاد السؤال هل تتفرج على سيارات الطلبة، فأجبته بالإيجاب. فأخبرني أن الطلبة الذين يمتلكون السيارات الفارهة عندما يتخرجون ويشترون سيارات جديدة لن يشعروا بذات الفرحة التي يشعرون بها حينما يقتنوها بكدهم وتعبهم. وواصل المدرس حديثه بالقول “أنت تذهب مشيًا للمدرسة وتعود، وفي اليوم الذي ستشتري فيه سيارتك الخاصة الأولى ستشعر بمتعة وفرحة لا توصف وستكون بالنسبة لك أجمل وأفخم من أي سيارة في هذه المواقف”. وقتها وافقته على كلامه وصمتُ.

بعد تخرجي وعودتي إلى الكويت وشرائي أول سيارة بقوة 4 أحصنة كانت فرحتي ومتعتي لا تضاهيها فرحة، حينئذ تذكرت كلام مدرسي. والعبرة من هذه القصة أنه عندما تشتري ساعة أو قلما بنقودك وهذه النقود تعبت بتحصيلها فإنها تعتبر أحلى متعة. ولا أزال أذكر أول ساعة اشتريتها من أول “بونس” حصلت عليه ولا زلت أحتفظ بها؛ لأنني تعبت لشرائها.