+A
A-

“البحرينية الهندية” تنظم قراءة في “غاندي وقضايا العرب والمسلمين”

ما الذي يدفع كاتبا عربيا في بلد صغير لتناول شخصية مثل غاندي؟

غاندي حوّل العمل السياسي من صراع على السلطة إلى سباق نحو الفضائل

كتاب الشعلة يرصد محطات بارزة توقف عندها قطار التطور الفكري للمهاتما

المنطقة بحاجة إلى إيقاظ واستنهاض قيم المحبة والتسامح والتعايش والسلام

 

نظمت الجمعية البحرينية الهندية مساء أمس الأول، في “الكابيتال كلوب” بالمرفأ المالي، قراءة لكتاب الباحث عبدالنبي الشعلة (غاندي وقضايا العرب والمسلمين) قدمها الكاتب عبيدلي العبيدلي، وبإدارة من المفكر علي فخرو، بحضور جمع غفير من الباحثين، والدبلوماسيين، ورجال الفكر والاقتصاد والسياسة.

ورحب فخرو بجمع الحضور، قائلًا “أهنئ بداية الأخ عبدالنبي الشعلة على هذا الكتاب القيم، وأقول إنني ومنذ 40 سنة، أو أكثر، قرأت قصة حياة غاندي بقلمه، وأعجبت آنذاك أشد الإعجاب بشخصية هذا الرجل، كان كتابه ليس مجرد واقعي، وإنما روحي أيضا، في الاجتماع، والاقتصاد، وفي النضال السياسي على الأخص”.

وأضاف “بعد ذلك قرأت كتابا عن استقلال الهند، وعن الأفكار التي تموج بها آنذاك، والتي انتقلت من المهاتما غاندي إلى نهرو، ثم إلى ميسز غاندي، وكانوا جميعا يقومون بتنفيذ تلك التوجهات الإنسانية النضالية الرائعة التي وضعها غاندي”.

وقال “أؤكد هنا جانبا تاريخيا في هذا الكتاب، فالتاريخ ممتع وجميل، ولكن ليس هذا هو الموضوع، بل أن ننتقل من ذلك التاريخ إلى الواقع اليوم، وأعني بذلك حين نقرأ عن التسامح بثقافة غاندي، هل مازال ذلك التسامح هو السمة الرئيسة بهند الحاضر؟ وكذلك عن الموقف المميز من جانب الهند تجاه القضية الفلسطينية، وغيرها”.

بعدها، تسلم العبيدلي الحديث، قائلا “مادة الكتاب تمهد الطريق أمام من يبحث عن المحطات المفصلية في تاريخ غاندي ضد الاستعمار البريطاني من خلال توثيق متناسق لمسيرة غاندي النضالية، وإشارات دلالية على تفاعلات قضايا الاختلافات الفكرية بخلفياتها الدينية كما استقرت في خلفية غاندي الأيدولوجية، ورصد للعلاقات السياسية التي أسست لها حركة غاندي في كل من الهند وجنوب إفريقيا، وإطلالة سريعة على تاريخ الأديان”.

وأبان “أيضا هناك معالجة خاطفة لتاريخ الحركة الصهيونية في إطار علاقاتها مع الحركة السياسية في كل من الهند وجنوب إفريقيا، وأخيرا تناول مدروس للعلاقات العربية - الهندية في إطارها الضيق كما ورد في السيرة الذاتية لغاندي”.

وأضاف أن الكاتب يوفر على القارئ الإجابة عن تساؤل ما الذي يدفع كاتبا عربيا في بلد صغير مثل البحرين لتناول شخصية مثل غاندي، كتب عنها الكثير، وتناولتها الأقلام بحثا وتمحيصا، فنجده يستهل كتابه بالإجابة على السبب الكامن وراء تأليفه كتابا عن غاندي، موضحا جدوى الكتابة عنه الآن أيضا، قائلا “حاجة منطقتنا العربية، أكثر من أي منطقة أخرى، إلى إيقاظ واستنهاض قيم ومبادئ المحبة والتسامح والتعايش والسلام التي نادى بها وطبقها المهاتما غاندي، وحاجتنا الملحة أيضا إلى الخروج من دوامة الفتن والتناحر والاقتتال”.

وبين أن الكتاب يقدم مساحة واسعة من فكر المهاتما غاندي لم تتم تغطيتها وتناولها بالقدر الذي تستحقه، والتي انعكست على موافقة من قضايا الإسلام والأمة العربية، وبأن هناك فئة أو نخبة من البشر لا يموتون، يبقون أحياء، يظل حضورهم ماثلًا أمامنا دائما.

ويقول العبيدلي “يرصد الكاتب المحطات البارزة التي توقف عندها قطار التطور الفكري لدى غاندي، والتي كانت الأولى بينها، نفور فطري حاد وحساسية مفرطة تجاه الظلم والتفرقة، لذلك فقد تميزت أفكاره منذ البداية بإيمان عميق راسخ بقيم الحرية والعدالة والمساواة، وقناعة ثابتة مستقرة بحتمية انتصار الحق على الباطل”.

ويتابع “لكن التحول من مجرد الانتماء الفكري إلى المستوى الإبداعي، تجلى عند غاندي، كما يراه الكاتب عندما حوّل العمل السياسي من صراع على السلطة إلى سباق نحو الفضائل، مشروطا بالالتزام الصارم بالمعايير الأخلاقية (الذي لم يجسده غاندي)، عن طريق إعمال الفكر فقط، بل حققه عبر مسيرة عملية شاقة”، قائلا “أنا لا أعتمد على الطرح الأكاديمي والنظري، إن العمل والإنجاز هما معياري”.

وزاد “يعتبر غاندي - بسياق الكتاب - المواطن غاية العملية السياسية وليس الدولة، وجعل الفرد محور اهتمامه، وهو بذلك يختلف عن الكثير من معاصريه من القادة والمفكرين السياسيين، أمثال لينين وستالين وماوتسي تونغ، ملتزما بأن رسالة العمل السياسي تتمحور أساسا في عملية إدارة تفاعل المجتمع لتحقيق التحول والتغيير كالانتقال السلمي من مجتمع الظلم والقهر إلى مجتمع العدالة والحرية”.

ويضيف “أحدث غاندي قفزة محسوسة وتغييرا نوعيا بارزا في المفهوم الذي كان مستقرا وقتها، والذي يجعل الشرعية السياسية تستمد وجودها من القوة السياسية، فاستدار بها وجعلها تستمد ذلك الوجود من القيم الأخلاقية مما يضع، بالنتيجة، على كاهل الفرد مسؤوليات والتزامات أخلاقية تحتم عليه عصيان السلطة السياسية المنحرفة والمستبدة”.

وتابع العبيدلي “يشير الكاتب من قناة تحدى غاندي النظريات السياسية التي تدعو إلى علمنة السياسة، وتلك التي تدعو إلى تسييس الدين، وأدرك منذ البداية حساسية وخطورة الدمج أو الربط بين السياسة والدين، خصوصًا في المجتمعات متعددة الأديان والمعتقدات الدينية كالهند”.

وقال “كان غاندي يؤمن بأنه لا يمكن الفصل بين القيم الدينية والمبادئ السياسية، فهي متداخلة ومكملة لبعضها بعضا، وأن استحالة الفصل بينها كاستحالة الفصل بين الدم والجسد. فاستنبط غاندي صيغة تجمع بين السياسة والدين والأخلاق في بوتقة واحدة، وأضفى الطابع الأخلاقي على المبادئ السياسية وطعمها بقيم روحية”.

وأضاف “يرى الكاتب أن تمسك غاندي الصارم بأسلوب اللاعنف، ينطلق من قناعاته الراسخة بأن الإصلاحات والتحولات الكبرى يمكن تحقيقها بالوسائل السلمية، وبفضلها تطور أسلوب اللاعنف من مجرد أداة للمقاومة إلى آلية كونية تستند إلى استحقاقات النظام الديمقراطي، واكتسبت زخما وديناميكية”.

ويكمل “يخرج الكاتب بقناعة واضحة بشأن صحة ما ذهب إليه غاندي بجدوى النضال السلمي في تحقيق الأهداف النبيلة” حين يقول “وأثبتت الأيام أن نظريات ورؤى غاندي المرتكزة على مبدأ اللاعنف قادرة على اجتياز الحدود وصالحة للانتقال والتطبيق في أي وقت وأي مكان، كما أنها مهيأة لاكتساب مزيد من الزخم والقيمة والفعالية”، منوها إلى تلك العلاقة الوثيقة بين ما يدعو إليه الإسلام، وتبشر به الهندوسية، من خلال دمجها “أفضل ما في الهندوسية مع أفضل ما في الإسلام”.

ويواصل “من العلامات الفارقة في الكتاب الإشارات المتكررة إلى (نفور) غاندي من الحركة الصهيونية وكتاباتها”. يؤكد الكاتب ذلك قائلا “على الرغم من أن غاندي أصبح محاطا بمجموعة من اليهود اللامعين بعد أن سطع نجمه في جنوب إفريقيا، إلا أن الأمر اللافت هو أنه لم يرد في أي موضع من مذكراته أو كتاباته الأخرى، عن تلك الفترة أو قبلها، أنه قد أبدى أي اهتمام أو التفت إلى فكر الديانة اليهودية”.

وقال “أورد المؤلف نصًا يشير إلى الدور الذي مارسه اليهود المقيمون في جنوب إفريقيا سواء في دعم الحركة الصهيونية عموما، أو الكيان الصهيوني على نحو خاص، وهو أمر لا يخفيه المؤلف، ويشير له في نص ورد على لسان أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، بعد قيامها في العام 1948، مشيدا بالدور الذي لعبه الصهاينة والجالية اليهودية. إن يهود جنوب إفريقيا جماعة صغيرة، لكنهم أرسلوا عددا كبيرا من المتطوعين ومعونات يفوق حجمها حجم المعونات التي قدمتها أي من الجاليات اليهودية في العالم”.

وتابع أنه من المسيحية واليهودية ننتقل إلى الإسلام. ويلج المؤلف الموضوع بمقدمة سريعة يتحدث فيها عن أول احتكاك بين العرب المسلمين والهند قائلا “لقد دخل الإسلام في الهند، بشكل أساس، عن طريق التجار العرب المسلمين، الذين كانوا يترددون على موانئها وسواحلها الغربية منذ آلاف السنين، فشكلوا بذلك أول حلقة اتصال بين الإسلام والهند”.

ويشير العبيدلي إلى أن المؤلف أنهى كتابه القيم بمقولة آمن بها غاندي، ونجح في الوصول لها حين رفع صوته، قائلا “إنني سأهز قواعد الإمبراطورية البريطانية بحفنة من الوحل”. وهذا ما فعله عندما نجح في غمر وجه القوة البريطانية وهي في أوجها في وحل الاستقلال الهندي وانفصاله عنها.

ويقول “في الختام يروي الكاتب قصة اغتيال غاندي المروعة، التي كانت مؤلمة حتى لذلك الشاب المتطرف (ناتورام غودسه) الذي أقدم على تلك الجريمة البشعة، والذي اعترف أمام القضاء (لقد كان احترامي للمهاتما عميقا وثابتا، ولم أشعر بأية سعادة حين قتلته).