+A
A-

قراءة في كتاب .. “لا أحد ينام في المنامة”

قالوا عن المنامة إنها مدينة النوم، وإن النوم فيها لا مثيل له في أي مكان آخر، وإن الملوك كانوا يأتون إليها في ماضي الزمان؛ لكي يستمتعوا بالنوم العميق، وإن اسمها اشتق من كونها تمنح النوم العميق لمن يريد. وقالوا عن المنامة إنها مكان النومة الأخيرة التي لا استيقاظ بعدها إلا عند النفخ في الصور وقيام الناس إلى الحساب بين يدي الله، أي انهاكانت قديما  مكان يدفن فيه الموتى، ولهذا السبب جاء اسمها “المنامة”.

وأنا شخصيا لا أدري هل التفسير الأول هو الصحيح أم الثاني هو الصحيح، وربما كان كلاهما من وحي خيال البعض.

ورغم أن أحدهما ربط بين المنامة وبين النومة الصغرى، وأن الأخر ربط بين المنامة وبين النومة الكبرى، إلا أن الكاتب البحريني نادر كاظم قد أعلن شيئا آخر تماما، وهو أنه “لا أحد ينام في المنامة”.

فبعد انقطاع 10 سنوات، ها هو ذا نادر كاظم يعود مجددا إلى الكتابة عن الشأن البحريني، ومن بوابة المنامة، عاصمة البحرين، هذه المرة ومن خلال كتابه الجديد “لا أحد ينام في المنامة” الذي صدر قبل أيام قليلة عن دار سؤال ببيروت.

في السينما المصرية سمعنا البطل يقول للبطلة إنه سيقدم لها أغلى هدية، وهي “لولية من البحرين” وفي الأدب البحريني قرأنا لعلوي الهاشمي “ما قالته النخلة للبحر”، وهاهو ذا نادر كاظم ينقلنا من عالم اللؤلؤ والنخلة والبحر إلى عوالم أخرى كثيرة وحلقات تاريخية عاشتها المنامة وأهلها.

من خلال كتابه الجديد “لا أحد ينام في المنامة”، يضعنا نادر كاظم وجها لوجه أمام هذه الأسئلة: هل يمكن لتاريخ مدينة أن يجسّد تاريخ المكان وناسه وأشيائه؟ وهل يمكن قراءة تاريخ تشكل دولة مثل مملكة البحرين من خلال تاريخ تشكل مدينة مثل المنامة؟ وهل يمكن قراءة التحولات التي عرفها الخليج، طوال قرون، من خلال قراءة تاريخ التحولات التي عرفتها مدينة المنامة؟ هذه مهمة كبيرة، بل إنها قد تصل إلى حدّ المغامرة، إلا أنها مغامرة تستحق، والكتاب الذي بين أيدينا يدعونا إلى خوضها من خلال الحفر في تضاعيف الماضي وطبقاته وتواريخه التي تراكمت، طبقة طبقة، منذ ظهور المنامة كميناء رئيس لجزيرة البحرين في القرن الرابع عشر الميلادي حتى الوقت الراهن، مرورا بكل طبقات التاريخ التي كانت تواصل سيرورة ترسبّها التدريجي كما يحدث في طبقات الأرض وأعماق البحار ورواسب الأنهار.

وسوف يجد القارئ نفسه أمام عمل كبير يسعى إلى إعادة تركيب تواريخ المدينة المتناثرة ومصائرها المفتوحة، من تاريخ الوثائق والسجلات إلى ذاكرة الخرائط الاستعمارية، إلى ذاكرة إحصاءات النفوس والانتخابات وصور المكان وأشيائه، إلى مدونات الرحلات والأسفار، إلى مصادر التاريخ المحلي وحولياته، إلى مقابلات شخصية عديدة أجريت مع أهل المنامة.

 

سيرة المدينة

يستعين الكتاب بكل هذه التواريخ بحثا عن سيرة المدينة، وهي تتشكل تدريجيا، وتتطور من مرفأ رئيس إلى قرية صغيرة إلى مدينة ساحلية تجارية بملامح عالمية (كوزموبوليتانية)، ثم إلى مدينة عربية (عروبية) إبان المدّ القومي الناصري في الخمسينات، وأخيرا إلى مدينة عتيقة وبدت عليها الكثير من ملامح التقادم والشيخوخة، مدينة تكافح من أجل البقاء بعد أن أصبحت مركزا للعديد من القوى والفعاليات المتناقضة.

انه كتاب جدير بالتأمل والمفاكره، لاسيما في توقيت إصداره، وما آلت إليه الظروف السياسية الداخلية في البحرين من بدايات تغير الهويه البحرينية الأصيلة، من لهجه وعادات وتقاليد، هل ستصمد المنامه، بل البحرين برمتها أمام هذه التحديات؟ يبقى الإنسان البحريني الأصيل والمحب لأرضه هو المحك والفيصل الحاسم في ثالوث المنامة والممات أو الصحوة.