+A
A-

أحمد نجم .. “التحكيم التجاري”... انطلاقة للعالمية بكفاءات بحرينية

الانتقال للمقر الجديد  نقطة تحول فارقة بأعمال المركز

القضايا التي تصل للمركز أضعاف ما كانت عليه سابقا

المركز ينتقل إلى مقره الجديد بإمكانات عصرية ومتطورة

إطلاق برنامج جديد للتدريب في تحكيم الأوراق المالية

تعيين نجم في العام 2010 أحدث تغييرا كبيرا بالمركز

أتعاب المحكمين كانت لا تتناسب مع الوضع الدولي

يوسف زينل أسس لثقافة التحكيم في البحرين والمنطقة

 

مع بدء مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي (دار القرار) تصريف عملياته من مقره الجديد والمملوك له على شارع الاستقلال أخيرا، يستعد المركز لانطلاقة جديدة نحو العالمية بعد أن نجح على مدى السنوات السبع الماضية في مضاعفة حجم المنازعات التجارية التي يبت فيها بفضل خطة عمل طموحة قامت بتنفيذها كفاءات بحرينية.

وخلال هذا العام تلقى المركز 23 طلب تحكيم في منازعات تجارية قيمتها 113 مليون دولار، وهو ضعف ما كان عليه قبل سنوات.

وسيكون بداية التحول في 2018، هو الثاني، بعد أول تغيير كبير حدث في يناير 2010، حين تولى أحمد نجم قيادة هذه المؤسسة التي تعنى بحل النزاعات التجارية، والتي تعد المركز الأول من نوعه من حيث البدء بممارسة النشاط في المنطقة.

انطلق المركز في 1995 بقرار من قادة دول مجلس التعاون في القمة الرابعة عشرة بالرياض العام 1993، وقبل العام 2011 لم تكن هذه المؤسسة الخليجية المشتركة، والتي كانت تحصل على التمويل من الغرف التجارية في دول مجلس التعاون الخليجي، بالحجم من حيث الأعمال المناطة بها أو الشكل المطلوب كمؤسسة إقليمية تعد الأولى في منطقة الخليج التي تقدم خدماتها.

ومع تولي نجم قيادة دفة المركز، تمت بلورة خطة جديدة هدفت إلى أن يحصل هذا المركز على الدور الذي من المفترض أن يكون عليه بحجمه الخليجي الإقليمي وبقوته من كونه صادرا بقرار من قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ومن هنا بدأت مسيرة المركز في التطور بشكل لافت على مدى السبع سنوات الماضية.

خطة جديدة

قدم الأمين العام لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون أحمد نجم في 2010 عرضا لوزراء التجارة في دول المجلس عن بلورة رؤية جديدة للمركز، قبل أن يبدأ انطلاقة قوية في 2011، حيث أحدثت تغييرا كبيرا في مسار المركز. وللوقوف على هذه الانطلاقة، أجرت “البلاد” لقاءً مع نجم، والذي يعد من الوجوه المعروفة لدى الشارع التجاري، خصوصا أنه شغل لسنوات قيادة الجهاز التنفيذي لغرفة تجارة وصناعة البحرين، قبل أن يتولى لفترة جهاز هيئة الإذاعة والتلفزيون ثم يتم اختياره ليقود “دار القرار”. وأشار نجم بفخر في بداية اللقاء إلى الانتقال إلى المبنى الجديد للمركز  الذي يحتوي على إمكانات واسعة لم تكن متاحة من قبل، حين كان المقر السابق عبارة عن فيلا مؤجرة في منطقة الزنج.

الاستقلال المالي عن “الغرف”

وقال نجم إنه حين قدم في 2010 إلى مركز التحكيم الخليجي، جاء بإستراتيجية وخطة جديدة هدفت إلى معالجة نقاط الخلل في عمل المركز، والتي من بينها الوضع المالي الذي كان مرتبطا إلى حد كبير على المنح من قبل غرف التجارة الخليجية، وإن كانت منح مالية بسيطة لا تتجاوز 80 ألف دينار خصوصا أن غرفة تجارة وصناعة البحرين هي التي مولت المركز في السنوات الأولى لانطلاقه.

وأضاف “كانت النظرة خصوصا من جانب رئيس الغرفة حينها علي بن يوسف فخرو أن المركز سيحقق الاستقلال المالي بعد ثلاث سنوات، لكن للأسف ذلك لم يحدث؛ لأنه لم تكن هناك قضايا تحكيم لعدة أمور، ومن بينها أن موضوع حل المنازعات في التحكيم لم ينص في العقود التجارية حينها، والتي احتاجت لسنوات، منوها إلى أن تأسيس المركز كان في حد ذاته إنجاز كبير ويرجع الفضل فيه بشكل كبير إلى الأمين العام المؤسس يوسف زينل الذي عرّف المجتمع بثقافة التحكيم، وحينها قليل من يفقه في أمور التحكيم التجاري”.

فعلى الرغم من تأسيس مركز خاص بالتحكيم في أبوظبي في مطلع التسعينات، إلا أنه لم يمارس أعماله، ليكون مركز التحكيم الخليجي “دار القرار” الأول الذي يمارس أعماله في المنطقة، موضحا نجم أنه “عندما بدأت الغرف التجارية الخليجية تدرك صعوبة أن يصل مركز التحكيم الخليجي إلى الاستقلال الذاتي، أخذت بإنشاء لجان خاصة للتحكيم داخلها”.

وبالعودة للحديث عن الإستراتيجية الجديدة لزيادة النشاط والاستقلال المالي، أشار نجم إلى مجلس الإدارة أنه ينبغي أن يكون للمركز مقر ملائم لطبيعة عمله، وأن المقر جزء مهم في ممارسة أعمال المركز، وهو ربما يكون من أول خطوات التغيير، إذ أراد الأمين العام من خلالها أن ينتقل بهذه المؤسسة الخليجية المشتركة إلى آفاق أوسع، لينتقل المركز من شقق متواضعة في مجمع الجمعيات الأهلية في العدلية إلى فيلا مؤجرة في حي راقي بالزنج.

وتحدث نجم عن رفد المركز بكفاءات في مختلف الأقسام إلى جانب إطلاقه هوية جديدة تواكب طموح المركز وتطلعاته.

هيكلة الرسوم وأتعاب المحكمين

لم تتوقف خطط الأمين العام للمركز الطموح عند مسألة المقر، حيث رأى نجم أن حجم المنازعات التي ينظر فيها كانت محدودة مقارنة باسمه، بدأ بالبحث عن الخلل، وهنا قدم مشروعا لإعادة دراسة رسوم البت في النزاعات التجارية، ليبدأ التغيير الأساسي، والذي كان له الفضل الكبير، في استقطاب المركز لاهتمام المحكمين الإقليمين والدوليين على حد سواء، مستدركا نجم “أن رسوم البت في المنازعات كانت بسيطة جدا، ولا تساير تطلعات المحكمين المرموقين، لضعف العائد المادي منها، مما صعب معه استقطاب نزاعات للمركز من أجل التحكيم، ومن هنا كان لابد من تغيير هذه الرسوم للمساهمة في تطوير المركز.

وأضاف “كانت أتعاب المحكمين لا تتناسب مع الوضع الدولي، خصوصا أن المركز أنشئ باتفاقية دولية وقوانين خاصة من قبل حكومات 6 دول خليجية، كما يتمتع المركز بحصانة وحكمه ينفذ في جميع هذه الدول، ولا يمكن الطعن عليه بالبطلان أمام القضاء ولا يقبل التمييز، وهذا أحد نقاط قوته”.

لم تقتصر التغييرات على المستوى الداخلي، ولكن على المستوى الخارجي، إذ بدأ نجم بإعادة تنظيم العلاقة بين المركز والغرف الخليجية، إذ تم إعلان الاستقلال المالي في العام 2011 رسميا، والذي كان محل ترحيب من الغرف التجارية الخليجية التي كانت ترى نفسها ملزمة بتقديم الدعم المادي له سابقا. وأوضح نجم “التعامل أصبح يختلف عن السابق إذ لم يكن هناك عبء الالتزام المالي على الغرف الخليجية”.

انتعاش المركز

تحدث الأمين العام لـ “دار القرار” عن انتعاش كبير شهده المركز مع تفعيل التغييرات الجديدة في 2011، مسجلا 11 دعوى تحكيم ثم أخذ المؤشر في ارتفاع تصاعدي من ذلك الوقت طوال السنوات الماضية  تقريبا، واليوم يتم الحديث عن 24 دعوى، وهذا يعني ضعف ما كنا نتلقاه”.

وتابع نجم “لدينا استقرار كذلك، إذ إنه من المتوقع أن يتلقى المركز في العام 2019 قضايا لا تقل عن هذا العام”.

والانتعاش في هذه القضايا كما يوضح نجم، لا يرجع بشكل رئيسي إلى ارتفاع النزاعات التجارية في حد ذاتها، ولكن لارتفاع مستوى الثقة في قواعد المركز وتنفيذ أحكامه، ففي 2012 مثلا صدر حكم من محكمة التمييز أنه لا يجوز النظر في أحكام المركز، وهو ما أرسى مبدأ بأن أحكامه ليس له علاقة بالقضاء المحلي، وتلا ذلك قرار المحكمة الدستورية 2017 في دستورية عدم جواز الطعن بأحكام المركز.

الانتقال للمقر الجديد

تحدث أحمد نجم بفخر عن إنجاز مركز التحكيم الخليجي التجاري بالانتقال إلى المقر الجديد والمملوك بالكامل للمركز لأول مرة، والذي يقع على شارع الاستقلال بمنطقة الرفاع في مبنى متعدد الطوابق بشكل عصري وبتجهيزات متطورة تشمل قاعات المحاضرات التي تنافس قاعات الفنادق، وقاعات التحكيم التي تشابه غرف المحاكم العالمية بتجهيزات الصوت والفيديو والأثاث والأمن وغيرها، مضيفا “نحن المركز الوحيد على مستوى الوطن العربي الذي لديه مقره الخاص به والمملوك له، وهذا يهيئنا لبناء علاقات مع المراكز العالمية، وسنكون مستعدين بشكل أكبر لتعزيز هذه العلاقات”.

ومضى بالقول “سيكون لنا استعداد للانطلاق عبر بناء علاقة مباشرة مع مراكز التحكيم العالمية، وحتى الجامعات العالمية، مع وجود الإمكانات والتسهيلات المطلوبة من خلال المقر الجديد بقاعاته وتجهيزاته واستقبال متدربين أكثر”. وأشار نجم أنه  “في السابق لم يكن لدينا أي قاعة للتدريب وكنا نقوم باستئجار قاعات في الفنادق، لكن لدينا اليوم 5 قاعات، وقاعة واحدة تستطيع استيعاب 50 شخصا في وقت واحد”.

وزاد “في المستقبل نريد استقطاب دورات ومشاركين أكثر كما سنقوم بعمل منتدى شهري”.

برامج حديثة

وبخصوص البرامج الجديدة التي يعمل عليها المركز، أوضح نجم أن هناك اتساعا في تقديم برنامج إعداد وتأهيل المحكمين، والذي يتم بالتعاون مع عدد من الجهات من بينها “تمكين”، والذي يقدم إعداد أساسي؛ لخلق كفاءات وطنية وإقليمية في مجال التحكيم.

كما يعمل المركز على توسيع الأنشطة التي يغطيها، إذ بدأ في النظر في مجالات جديدة مثل التدريب في مجال التحكيم البحري والذي تنقص فيه الكفاءات المطلوبة، حيث يعمل المركز على سد النقص في هذا المجال، إذ طرح البرنامج في سلطنة عمان وذلك بالتعاون مع الهيئات التي لها علاقة بالملاحة البحرية والموانئ.

كما تم إطلاق برنامج جديدة للتحكيم في الأوراق المالية، بالتعاون مع هيئة الأوراق المالية في أبوظبي. وأكد أن مسار التدريب ومسار التحكيم يسيران مع بعضهما البعض وفي الاتجاه نفسه.كما يقدم المركز برنامج التحكيم الهندسي وعقود “الفيديك”، وبذلك يكون عدد البرامج 4 برامج تدريبية.

 

* قمة الرياض وقرار إنشاء المركز

أقر قادة دول مجلس التعاون الخليجي “المجلس الأعلى” الموافقة على إقامة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلى نظام المركز في قمة الرياض الرابعة عشرة في الفترة من 20 – 22 ديسمبر 1993، بعد إطلاعهم على مذكرة الأمانة العامة بشأن مشروع المركز وعلى توصية لجنة التعاون التجاري، ومباركة وزراء العدل بدول المجلس.

وتمت المصادقة على لائحة إجراءات التحكيم من جانب لجنة التعاون التجاري في الرياض بتاريخ 16 نوفمبر 1994، ثم أجريت بعض التعديلات وتم المصادقة عليها من جانب لجنة التعاون التجاري في مدينة العين بدولة الإمارات بتاريخ 5 أكتوبر 1999.

يعتبر المركز جهازا قضائيا تحكيميا إقليميا مستقلا عن دول المجلس الست بما فيها دولة المقر، يتمتع بشخصية قانونية قائمة بذاتها وباستقلال إداري ومالي وفني، وهو أحد أجهزة مجلس التعاون.

 

مكونات إدارة المركز

مجلس إدارة المركز مكون من ستة أعضاء يمثلون الدول الأعضاء بدول مجلس التعاون والرئاسة فيه دورية وفقا لما هو معمول به في اجتماعات مجلس التعاون، ويجب أن يكون الأمين العام من مواطني دول المجلس يعينه مجلس الإدارة.

واختار مجلس إدارة المركز بالإجماع خلال اجتماعه (54) المنعقد بإمارة دبي في يوم الخميس 6 ديسمبر 2012 صاحب السمو الأمير بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين رئيس فريق التحكيم السعودي، لتقلد منصب الرئيس الفخري للمركز.

 

اختصاصات المركز

يختص المركز بالنظر في المنازعات التجارية بين مواطني دول مجلس التعاون أو بينهم وبين الغير سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين، والمنازعات التجارية الناشئة عن تنفيذ أحكام الاتفاقية الاقتصادية والقرارات الصادرة تنفيذا لها، إذا اتفق الطرفان كتابة في العقد أو في اتفاق لاحق على التحكيم في إطار المركز.

ويقع مقر المركز البحرينن حيث باشر أعماله في مارس 1995، وبحكم الوضع الدولي للمركز بوصفه هيئة إقليمية مستقلة ذات حصانة، فإنه طليق من النظام القانوني للبحرين، فوجود المركز على أرضها هو مجرد تواجد مادي فقط، والحكم الصادر عن المركز لا يعد صادرا على إقليم البحرين التي وإن اعتبرت دولة مقر مادي للمركز، إلا أنها لا تعد دولة مقر قانوني بالنسبة للتحكيم الذي يجري في المركز؛ لأنه غير مرتبط بالنظام القانوني الداخلي الوطني لها. ويعتبر نظام المركز ذا وضع قانوني خاص لا يجوز المقاربة معه أو القياس عليه.