+A
A-

في ذكرى وفاة نور الشريف... عشق من وجع

بسبب حبي الشديد وتعلقي بالفنان المصري الكبير الراحل “نور الشريف” ومنذ صغري، فإنني أعرف سينما نور الشريف وجغرافيتها وقوانينها وموضاتها ولغتها بل وأنظمتها.

أحببت هذا الفنان الذي يصادف 11 أغسطس الذكرى الثالثة على رحيله لأنه عندما يقف خلف الكاميرا فهو يفعل فعلا اجتماعيا، وبذلك يصبح مسؤولا لدى نفوس غير نفسه، يعبر عن ألمها وأملها، وكدحها ونضالها، مسؤول لدى مجتمعه ولدى شعبه وأمته ولدى الإنسانية جمعاء. أحببت نور الشريف لأنه علمني في جميع أفلامه أن الفن الحقيقي هو الذي تشعر به كعالم مؤثر، فيه من الاستمتاع الذاتي قدر مواز لتوق الفنان إلى الحرية والالتزام وحب الحياة، لكي لا نرى ضمن انسانيتنا دموعا لم تجف بعد. أحببت نور الشريف لأنه وفي كل أدواره يلقي علينا درسا حكيما في ضرورة ان نسترد قوتنا وحرية عقولنا حتى نبني المستقبل المشرق لتكشف لنا دائما المضمون الإنساني العميق الذي يؤديه الفنان الصادق.

نتفاعل مع فن نور الشريف تفاعلا ينفذ الى الداخل بنوع من الحدس المنخطف الذي يضيء ظلمة الأشياء ويمثل وقعها في النفس بأطياف الصور العميقة الحية.. كالشعر تماما. أحببت نور الشريف لأنه يدرك الجانب الحميم الضائع في الذات الإنسانية، ولأنه “انتشلني من حزن خرافي أسود كان قد احكم قبضته عليّ عندما توفى أبي.. انتشلني بالشمس التي صنعها بيديه لتنير حياتي من جديد.. كيف حصل ذلك يا نور؟ أتركها للزمن الذي قد يكتب لي في مفكرته فرصة الالتقاء بك في يوم ما قبل أن أغادر هذه الحياة الثقيلة كالكابوس.. فليتك تسمعني الآن يا نور”.

اذكر تلك الليلة مثل صندوق العجائب.. في ليلة تتويج مسلسلي الإذاعي يوميات أم سحنون بالجائزة الذهبية في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في العام 2012، قابلت حينها زوجة نور الشريف الفنانة “بوسي” قبل إعلان النتائج وطلبت منها توصيل عمود كتبته عن نور بعنوان “نور الشريف.. ليتك تسمعني” مرفقا برقم تلفوني عندما كنت في الزميلة الأيام، وجزء منه ما جاء في مقدمة هذا الموضوع، ابتسمت وأخذت الظرف وغاصت في جموع الحضور. ليلتها فزت بالجائزة الذهبية ورجعت الى المنزل وانا امسح وجهي بمنديل الفرح. أتصور كان يوم الخميس، وفي مساء يوم الأحد جاءني تلفون خارجي، اعتقدت في البداية انهم أصدقاء مهرجان الخليج السينمائي ولكن طائر الفرح حط على شباكي:

ألو.. مساء الخير.. أستاذ أسامة؟

نعم.. أنا هو..

معك نور الشريف..

(أجل.. إنه هو.. هذا صوته.. أيعقل!!)

أنت نور.. نور الشريف.. لا يمكن أن يكون هذا واقع وحقيقة.

نعم..أنا نور.. وبوسي أوصلت إلي “رسالتك” وحقيقة لقد تأثرت كثيرا بما جاء فيها ولهذا فضلت أكلمك شخصيا، فأنت شخص تعيد النبض في حياة كل فنان.. وأنا لي زيارة قريبة للكويت وإن شاء الله سنلتقي هناك.. هل “نمرة تلفوني” باينه عندك؟

أجل.. أجل.. تلفونك.. .009201222152377....

خلاص يا أستاذ أسامة.. أي وقت تحب تكلمني.. ما تنكسفش!

شكرا.. شكرا.. أبي ومعلمي نور.. أشكرك على اتصالك..

مع السلامة!!!

****

نور الشريف هاتفني.. سمعت صوته مثل صوت البرق والأمطار.. أي سعادة كنت فيها وأي عرش من الفرح كنت أجلس عليه.. ولكن فرحة الشمس لم تكتمل ولم يكتب القدر أن نلتقي لغاية أن انغرس رمح خبر وفاته في العام 2015 في صدري لأبقى أسير عشق من وجع وذكرى مكالمة يتيمة بيني وبينه.

للفنان نور الشريف المئات من الأفلام والمسلسلات، واختير الكثير منها لتكون شاهدة على مرحلة معينة من تاريخ الفن، فعلى سبيل المثال اختار النقاد فيلمه الرائع “سواق الأوتوبيس” كأحسن ثامن فيلم في السينما المصرية في الاحتفال بمئوية السينما المصرية العام 1996، وتم اختيار 7 أفلام له أيضا في قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية حسب استفتاء النقاد وهي “زوجتى والكلب 1971، أبناء الصمت 1974، الكرنك 1975، أهل القمة1981، حدوتة مصرية 1982، العار 1982، سواق الاوتوبيس 1982”.

فرحمك الله يا أروع الممثلين وسنام الإبداع في الوطن العربي.