+A
A-

عبدالجبار حماد... مغامر من الصفر

شرارة حلمه بدأت حين كان راتب مساعده الأجنبي ضعف راتبه!
يفضل توظيف البحرينيين كونهم يكدون ويحبون العمل

يفضل توظيف البحرينيين كونهم يكدون ويحبون العمل

حلمه الكبير شركة كبيرة تجمع شركات السيراميك

لهذه الأسباب اتصل به مدير مصنع رأس الخيمة وطلب منه التعاون

“سيراميك دلمون” أكبر مزود لمشروعات وزارة الإسكان

 

كثيرًا ما نسمع عن “المغامرة”، عندما يتعلق الأمر بالاستثمار وعالم التجارة والأعمال، إلا أن رجل الأعمال عبدالجبار حمّاد ضرب أبهى الأمثال في المغامرة، إلى حد جعله يضحي بكل ما يملك الإنسان البحريني المتواضع، حين تخلى عن قطعة أرض كدح من أجل شرائها ليبني عليها منزل الأحلام، كما باع حقوقه التقاعدية بعد سنوات من العمل في وظيفته بإحدى الشركات، وكل ذلك ليؤسس أكبر شركة للسيراميك في البحرين وهي “سيراميكا دلمون”.

وقصة رجل الأعمال الناجح عبدالجبار حمّاد، تلخص حياة الموظف البحريني المكد الذي ضحى بمعظم ما يملك ليحقق حلمه بكل إصرار رغم كل الظروف والصعوبات.

وللوقوف على المسيرة المهنية من موظف إلى صاحب شركة معروفة في مجال السيراميك والأدوات الصحية، التقت “البلاد” مع مدير ومؤسس شركة “سيراميكا دلمون” عبدالجبار حمّاد، وفيما يلي نص اللقاء:

 

حدثنا عن بدايتك في عالم الأعمال؟

تعلمت التجارة من الصغر، وأنا في المرحلة الدراسية، كنت مع صديقي واعتبره أخي، وهو فخر علي فخر، وكان لهم أعمال في المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية، وكنت أعمل في محلهم في السوق المركزي، بعدها دخلت المدرسة الثانوية في القسم التجاري وكان لدي حينها حب البيع والتجارة.

وعندما انتهيت من المرحلة الثانوية، ورغبت أن أكمل الدراسة إلى الجامعة، سافرت إلى مدينة بونا في الهند، وبعد 6 شهور لم يعجبني الوضع، ورجعت البحرين للعمل.

عملت في شركة “يوكو للمقاولات البحرية” وبدأت بالعمل أمين مخازن، وأتذكر أن أول راتب تقاضيته كان 150 دينارا، ثم تدرجت في مناصب أخرى مثل مشرف الكراج، وغيرها، فكان أي شخص يخرج من الشركة أحل مكانه، وانتقلت في الوظائف والمهمات وهذا أكسبني خبرة، فانتقلت إلى قسم تمويل البواخر وعملت في قسم شؤون الموظفين، وعملت في المراسلة، وعملت في النقليات ودفان الأراضي في البحر إلى جانب مواد البناء، وحتى قسم المشريات.

وآخر منصب شغلته هو مدير شركة يوكو للهندسة، وكانت تحتوي على أقسام مختلفة مثل قسم مواد البناء وقسم السفريات وقسم السلامة والأمن وقسم الراديو، واكتسب خبرة في مجال مواد البناء كثيرًا في هذه المرحلة.

فترة عمله في الشركة امتدت من 1985 إلى العام 1997 في شهر أغسطس، وهذا يسبق تأسيس شركة سيراميكا دلمون بنحو شهرين تقريبًا.

 

وكيف بدأت التفكير في الابتعاد عن عملك مديرا لشركة وتأسيس شركة “سيراميكا دلمون”؟

بعدما شعرت بالمضايقات، والمنافسة غير المتكافئة بين الأجنبي والبحريني، وأن تكون مدير شركة بحرينيا وأن يكون مساعدك أجنبيا ولكن راتبه أكثر منك، فآخر راتب وصلت إليه في الشركة وأنا مدير 350 دينارا، في حين كان راتب مساعدي الهندي 650 دينارا عدا الامتيازات الأخرى مثل إيجار المنزل وتذاكر السفر وغيرها، لم تكن لدي مشكلة في البداية فكنت أتعلم، ولكن في الفترة الأخيرة شعرت أن حقي مهضوم، فحينما كان الموظفون يستلمون كشف الراتب مني وأجورهم أعلى من أجري، هنا بدأ التفكير في ترك العمل والبدء بتأسيس نشاط تجاري.

 

هل كان لديك رأس المال الكافي؟

بدأت في البداية لوحدي ولم يكن معي شريك، كان عندي أرض في المالكية وبعتها كما استلمت مستحقاتي التقاعدية من سنوات عملي وهي نحو 11 سنة.

 

ألم تكن هذه مخاطرة؟

نعم، كانت مخاطرة كبيرة، وغامرت بكل شيء، وكنت حينها متزوج ولدي طفلان، وكانت الأرض مخصصة لكي أبني عليها منزلا لعائلتي الصغيرة، إذ كنت أسكن مع الوالد.

وأتذكر أن الجميع وجه لي اللوم، ورأوا أن السوق صعبة وربما لن أتمكن من الاستمرار.

 

هل أثر فيك ذلك؟

كنت أرى أن التوفيق هو بيد الله سبحانه وتعالى، فصممت على مشروعي، وبدأت باستثمار أرض في سوق واقف، وكانت حينها منطقة خالية تقريبًا، وافتتحت محلا صغيرا هناك.

 

لماذا تعاونت مع مصنع رأس الخيمة، الذي كان يتعامل مع الشركة التي كنت تعمل معها؟

عندما بدأت افتتاح محل صغير اتجهت لمصنع غير مصنع رأس الخمية، والذي كان يتعامل مع نفس الشركة (يوكو للهندسة) التي كنت أعمل فيها، وهذا بحكم الأمانة، فتعاملت في بداية الأمر مع “سيراميك الفجيرة” لنحو 6 شهور، إذ قدموا لي الدعم المناسب بعد أن قاموا بزيارة المحل ورأوا خبرتي مع مصنع رأس الخيمة من خلال عملي السابق.

وبعد الشهور الستة، اتصل لي مدير شركة رأس الخيمة وطلب لقائي، وبالفعل لبيت طلبه، وحين التقيته وجه لي العتب لأني اتجهت إلى مصنع الفجيرة ولم أتعامل معه رغم علاقتنا القوية، وطلب مني أن أوقف تعاملي مع “مصنع الفجيرة” وأتعامل مع مصنع رأس الخيمة، وتعهد لي بتقديم كل التسهيلات المطلوبة.

والثقة التي منحني إياها مدير مصنع رأس الخيمة، كانت بسبب أنه عاين تضاعف مبيعات منتجاتهم، بعد أن استلمت مسؤولية التسويق بحكم منصبي في عملي السابق، واختبر حسن أدائي.

اكتسبت “رأس الخيمة” حصة سوقية في البحرين، ورغبت في التعامل معي للحفاظ على هذه الحصة.

وخلال فترة النقاشات مع مصنع رأس الخيمة، عرض علي الأخ إبراهيم الدهام والذي كان وكيل رأس الخيمة في الدمام والقطيف والخبر، عقد شراكة بيننا، وفعلًا كان رأس مال “سيراميكا دلمون” حينها 5 آلاف دينار وقام هو بالمساهمة بمبلغ مماثل لتصبح 10 آلاف دينار.

 

كيف استقبلت السوق منتجات مصنع رأس الخيمة من خلال “سيراميكا دلمون”؟

في العام 1998 بدأنا تسويق منتجات رأس الخيمة، وأدخلنا العديد من التطويرات منذ تلك الفترة وأضفنا محلا جديدا، أصحبت الناس تعرف منتجات “رأس الخيمة” بصورة أكبر، كما أن المنتجات كانت تتمتع بجودة عالية وكانت بأسعار أقل من المنتجات الإسبانية والإيطالية مما جعل منافسة منتجات رأس الخيمة قوية في السوق.

ومع ارتفاع الطلب فتحنا فرعا في المنامة العام 2001، وحاليًا لدينا 4 فروع، وللعلم عندما بدأنا العمل كنت أنا الموظف الوحيد في الشركة فكنت أنا البائع والمحاسب والسائق، وبدأت بسيارة مستخدمة، وكنت أخرج من المنزل من الساعة 5 صباحًا وأرجع البيت الساعة 9 مساء، وبقيت 6 شهور على هذا الحال، إلى أن جلبت عاملا بحرينيا لمساعدتي، وبعدها جلبت موظفا بحرينيا آخر لمساعدتي وهكذا زاد العدد.

ما سر تفضيلك توظيف البحرينيين؟

أنا أحب البحرنة كثيرًا، وعندما أسست الشركة بنيتها من البحرينيين عمالا وموظفين، فالكثير من الشباب ممن تركوا مقاعد الدراسة أو لم يكونوا يعملون، كنت أستقطبهم لكي يعلموا معي.

 

لكن هذا يخالف وجهة نظر البعض بأن البحرينيين لا يحبون العمل؟

بالعكس، كانوا يعملون وكانوا معي باستمرار في أي وقت، حتى في أيام الجمعة والإجازات فإنهم يرحبون بأي عمل.

أعتقد أن الموظف البحريني يحتاج إلى الاهتمام والأجر العادل، وأن تكون هناك حوافز تشجعه على العمل، ولم أكن أشعر بالفرق بيني وبينهم فكنا نجلس ونأكل على سفرة واحدة.

 

ما سبب نجاحكم؟

أكثر ما ميزنا هو وفرة البضاعة مع وجود الدعم القوي من المصنع، إلى جانب الأسعار التنافسية، كما دخلنا مشروعات وزارة الإسكان منذ العام 2000، إذ تقوم الوزارة باختبار المنتجات قبل اختيارها، وأتذكر أن أول مشروع إسكاني عملنا فيه كان في مدينة حمد. وتوسع العمل مع وزارة الإسكان، وكان هذا التعاون في صالحنا.

الموضوع الآخر لنجاحنا، هو قوة التسويق منذ بداية الشركة إلى الآن، إذ كنا نقدم العروض المختلفة بحيث يكون اسمنا في السوق دائمًا.

كما أن خدمات ما بعد البيع لدينا قوية، خصوصًا فيما يتعلق بالاستبدال وقطع الغيار، إذ تتوافر لدينا جميع القطع المطلوبة في الأدوات الصحية لاستبدالها في حال تعرضت للكسر.

 

في العام 2008 ضربت أزمة مالية وعقارية في البحرين والمنطقة، هل تأثرت بذلك؟

نعم، تأثرنا بهبوط النشاط العقاري في العام 2009، دخلنا في الكثير من مشروعات القطاع الخاص خصوصا البنايات ذات الأربع والستة أدوار ومشاريع الفلل، ولاسيما أننا كنا نزود وزارة الإسكان باحتياجاتها من السيراميك والبورسلان والأدوات الصحية.

في الأزمة نزلت الطلبات، لكننا حافظنا على قوتنا في السوق، ولأول مرة أدخلنا منتجات غير المنتجات الإماراتية، إذ وردنا منتجات صينية وإسبانية، لكن المنتجات الإماراتية ظلت مرافقة لاسم “سيراميكا” دلمون، بحيث حافظت المنتجات على نحو 70 % من نشاط الشركة.

في العام 2010 أصبحت الناس حساسة في التعامل مع المنتجات الصينية؛ بسبب رداءة المنتج، رغم أننا لم نعانِ من هذه المشكلة، ولهذا السبب توقفنا عن تزويده. ونرى حاليًا طلبا على السيراميك على حساب البورسلان، خصوصا من قبل صغار المقاولين؛ بسبب كونه أرخص وأكثر ضمانًا من ناحية الجودة، وهذا جعلنا نواكب طلب السوق.

 

لديك بالتأكيد خطة لتطوير العمل، ما هي؟

نعمل على توسيع فروعنا الحالية وإضافة بضائع مختلفة، بحيث تكون هناك بضائع متنوعة، وتغيير أسلوب العرض بحيث يجذب الزائر وتطوير أساليب التسويق. سنزيد من الاستثمار في تطوير المعارض في السنوات المقبلة. أضفنا ورشتين في سوق واقف وجنوب “ألبا”؛ لتقطيع وتلميع وزخرفة الجرانيت والرخام وأخذنا معدات حديثة، كما نأمل أن نتوسع من خلال تقديم خدمات التركيب.

 

مع مسيرتك العملية الطويلة، قيم لنا الصعوبات التي تراها؟

أنا أرحب بالمنافسة خصوصا الوطنية، لكن أعتقد أن الصعوبة الأكبر وجود منافسة غير متكافئة من قبل الأجانب الذين تختلف طبيعة حياتهم وتكاليفهم، مما قد يضر السوق بنهاية المطاف. وحلمي الكبير، أن يتم تأسيس شركة بحرينية موحدة للشركات والوكلاء العاملين في مجال السيراميك، بحيث تكون هناك معارض ومخازن في جميع مناطق البحرين، وهذا يساعد البحرينيين على المنافسة في السوق.

 

تواجه الشركات العائلية عادة معضلة البقاء، كيف تعاملت مع ذلك؟

الشركة ستستمر وستقوى بإذن الله، ابني علاء مسؤول عن الإدارة والتسويق، وابني الآخر محمود مهندس يدير الورشة في منطقة عسكر، إلى جانب ابنتي التي تخرجت للتو وتعمل حاليًا في إدارة شؤون الموظفين، وأنا مطمئن على مستقبل الشركة.