+A
A-

31 عاما متوسط عمر البشر بسنة 1900 ثم قفز إلى 65 عاما

البلدان الصناعية المتقدمة أنجزت تحولها الديموغرافي بوقت مبكر

الشيخوخة النشطة عملية تحسين فرص الصحة والمشاركة والأمن

ليس بالضرورة أن تكون الشيخوخة مقترنة بالعجز والمرض

 

تنشر “البلاد” على حلقات أبرز ما يتضمنه كتاب أستاذ علم الاجتماع المساعد بقسم الاجتماع بكلية الآداب في الجامعة أحلام القاسمي الموسوم “الشيخوخة النشطة: التحديات والمؤشرات والتجارب الناجحة وتطبيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي”.

وأعدّ الكتاب لصالح المجلس التنفيذي لمجلس وزراء العمل ومجلس وزراء الشؤون الاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

العالم يشيخ، ويشيخ وبسرعة. هذه حقيقة لم تعد موضع جدال ونقاش، بل هي واحدة من أهم الحقائق على مستوى التغيرات العالمية فيما يتعلق بالتركيب العمري.

لقد بدأت هذا التحول الديموغرافي، أول ما بدأ، في البلدان الصناعية المتقدمة التي أنجزت تحولها الديموغرافي في وقت مبكر في كل من بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية واليابان وكندا وأستراليا.

إلا أن هذا التحول بدأ يصل إلى بلدان خارج هذه الدائرة ومن البلدان التي كانت تصنف في دائرة الدول النامية أو في طور النمو مثل كثير من البلدان الآسيوية وبلدان أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية.

ويعتبر مفهوم “الشيخوخة النشطة” من أبرز المفاهيم القليلة التي ظهرت في السنوات الأخيرة لتشخيص هذا الوضع الراهن، وتقديم الحل الأنسب لهذه التحولات التي أخذت تزحم على معظم بلدان العالم.

تعرّف منظمة الصحة العالمية “الشيخوخة النشطة” بأنها “عملية تحسين فرص الصحة، والمشاركة، والأمن، من أجل تحسين جودة الحياة مع تقدم البشر في العمر”.

كبار السن والحاجة إلى تصحيح الصورة النمطية

في العام 1900 كانت متوسط العمر المتوقع للبشر 31 عاماً، ارتفع في منتصف القرن العشرين إلى 48 عاماً، ثم قفز في العام 2005 إلى 65.6 عاماً، ووصل في بعض البلدان إلى 80 عاماً، ويتوقع أن يرتفع متوقع عمر النساء في بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية في العام 2030 إلى 85 عاماً. ماذا يعني هذا؟

إنه يعني إن سكان العالم يشيخون، الأمر الذي سيجعل قضية شيخوخة سكان العالم أبرز القضايا الملحة المطروحة على أجندة الدول والمنظمات الدولية، بسبب التأثير الكبير الذي سيحدث بشيخوخة سكان العالم على حالة الصحة والخدمات الاجتماعية وحالة النمو الاقتصادي، وعلى كل مناحي الحياة. ولهذا السبب، أصبحت قضية المسنين قضية عالمية راهنة تُعقد لها المؤتمرات، وتؤلف حولها الكثير من الدراسات والكتب، كما أنها تشهد اهتماماً عالمياً لا مثيل له طوال تاريخها.

ترتبط الشيخوخة، في أذهاننا، بالعجز والمرض وتحوّل إنسان ما من عامل ومنتج إلى عالة على الآخرين لا في نفقات إعاشته فحسب، بل حتى في حركته وسكونه، قيامه وجلوسه، يقظته ونومه، صحته ومرضه. إنه باختصار يتحوّل ليكون إنساناً مستطيعاً بغيره تماماً مثل الأطفال الصغار المعتمدين على الكبار في كل شيء، بل قد يكون الوضع أكثر سوءاً حتى من الأطفال الصغار، لأن الآباء والأمهات عادة ما يكونون في قمة سعادتهم بمجيء طفلهم، ولهذا يقومون بالمستحيل والشاق والصعب من أجل تنشئته وبقلب منشرح. لكن الوضع ليس كذلك مع رعاية كبار السن، فمعظم كبار السن يجدون أنفسهم، في نهاية العمر، وحيدين ويعانون من العزلة والوحدة، وكثيراً ما يتخلّى الأبناء عن رعاية آبائهم وأمهاتهم جحوداً أو انشغالاً بمشاغل الحياة الحديثة التي لا تنتهي. وتشير الإحصائيات الأمم المتحدة في العام 2009 إلى أن نسبة كبار السنة الذي يعيشون وحيدين ترتفع في البلدان المتقدمة، حيث تصل النسبة إلى 34 % في أوروبا وأميركا الشمالية، وتنخفض إلى 11 % في كل من افريقيا وآسيا.

يجيء مفهوم “الشيخوخة النشطة” ليصحح الكثير من الأفكار الخاطئة والصور النمطية السلبية في أذهان الكثيرين عن الشيخوخة والمسنين. فليس بالضرورة أن تكون الشيخوخة مقترنة بالعجز والمرض وعدم الإنتاج والاتكالية المطلقة على الآخرين، بل إن التقدم، في هذا الكتاب، سيكشف لنا أن تمتع كبار السن بالصحة، والنشاط، والحيوية، والقدرة، على العمل (بالطبع العمل الذي يليق بهم ويتناسب مع عمرهم)، والقدرة على التطوع لخدمة الآخرين من أبناء وأحفاد وجيران وأصدقاء وغيرهم، والقدرة على ممارسة الهويات المتعددة من تعلم العزف على البيانو إلى الكتابة والقراءة وممارسة الرياضة والجري لمسافات طويلة وحتى القفز في الهواء من مرتفعات عالية، كل ذلك أمر ممكن، وكبار السن يقومون به في بقاع مختلفة من العالم.

 

ترى منظمة الصحة العالمية أن محاربة الصور النمطية السلبية عن المسنين باتت أمراً مطلوباً ومهماً.

والسبب أن سلوكنا تجاه المسنين يتحدد، بدرجة كبيرة، بحسب الصورة النمطية التي نحملها عنهم في ذهننا، كما يمكن أن تكون هذه الصورة النمطية هي السبب وراء “تهميشهم هيكلياً، مثل إجبارهم على التقاعد في سنّ محدّدة، أو غير رسمي، مثل نزوع أصحاب العمل المحتملين إلى اعتبارهم أقلّ نشاطاً وأقلّ قيمة وأهمية”.

وفيما يلي أبرز الصورة النمطية التي تذكرها المنظمة:

الصورة النمطية 1: المسنون “مضى زمنهم”

من الصحيح أنّ كبار السن من العاملين أقلّ إنتاجاً من العاملين الشباب، وتبيّن الدراسات انخفاضاً طفيفاً في وتيرة معالجة المعلومات ودرجة الانتباه مع التقدم في السن، إلا أن الصحيح أيضاً أنّ معظم الأشخاص يحتفظون جيداً بمؤهلاتهم العقلية وقدرتهم على التعلم عند الكبر. كما يتميّزون عن غيرهم بما يمتلكونه من خبرة وذاكرة. وقد يكون تدهور القدرات الجسدية أقلّ بكثير ممّا هو مفترض. ففي 16 أكتوبر 2011، أصبح فوجا سينغ، وهو مواطن بريطاني من أصل هندي، أوّل شخص يبلغ 100 عام ويشارك في منافسة الماراثون، إذ استطاع أن يكمل سباق ماراتون تورونتو واترفرونت بكندا في ثماني ساعات و25 دقيقة و16 ثانية، تاركا الكثيرين من المتنافسين الشباب خلفه. كما وقع عقداً ليكون جزءاً من حملة “أديداس” الإعلانية لعام 2004 بمعية ديفيد بيكام والملاكمة ليلى علي حفيدة محمد علي كلاي.

الصورة النمطية 2: المسنون مغلوبون على أمرهم

لا يعني التقدم في العمر أن يتحول الإنسان ليكون بلا إرادة ومغلوب على أمره وعاجز عن التحكم في حياته وحياة الآخرين. فبعد إعصار سيدر الذي ضرب بنغلاديش في عام 2007، اضطلعت لجان المسنين بدور نشط وقامت بتعميم رسائل الإنذار المبكّر على الأشخاص والأسر الأكثر عرضة للخطر، وتحديد الفئات الأكثر تضرّراً، وتجميع قائمة المستفيدين وإبلاغهم بتوقيت ومكان تلقي سلع الإغاثة. وعقب الزلزال والتسونامي اللّذين وقعا في اليابان بادر المسنون والمتقاعدون إلى التطوّع في مواقع الكارثة النووية، وقالوا إنّهم لا يخافون من التعرّض للأشعة النووية. فقد كانوا، بحكم تقدمهم في السن، أقلّ تخوفاً من غيرهم من الآثار الطويلة الأجل لذلك التعرّض.

الصورة النمطية 3: المسنون سيخرفون في آخر المطاف

هفوات الذاكرة التي تحدث بشكل عارض من الظواهر الشائعة في كل المراحل العمرية. وعلى الرغم من أنّ مخاطر الإصابة بأعراض الخرف ترتفع بشكل حاد مع تقدم العمر وخاصة لدى من تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، فإنّ علامات الخرف المحتملة (فقدان القدرات الذهنية)، مثل الشك في كيفية القيام بالوظائف البسيطة وصعوبة إكمال الجمل والتخليط بين الشهور أو الفصول، ليست من العلامات العادية للشيخوخة. فمعظم المسنين قادرون على تدبير شؤونهم المالية وحياتهم اليومية. ويمكنهم الموافقة عن سابق علم على العلاج أو التدخلات الطبية التي قد يحتاجونها. والواقع أنّ بعض الأشكال من ذاكرتنا تظلّ على حالها، بل تتطوّر مع التقدم في السن، مثل ذاكرتنا الدلالية، التي تمثّل القدرة على تذكّر المفاهيم والوقائع العامة غير المرتبطة بتجارب معيّنة.

الصورة النمطية 4: المسنات أقلّ قيمة من النساء الأصغر سناً

كثيراً ما يربط الناس قيمة المرأة بجمالها وشبابها وقدرتها على إنجاب الأطفال. ويتم، في غالب الأحيان، إغفال الدور الذي تؤديه المسنات في أسرهن ومجتمعاتهن المحلية والمتمثّل في الاعتناء بآبائهن وأطفالهن وأحفادهن. وفي معظم البلدان تنزع النساء إلى تولي مسؤولية رعاية الأسرة. وكثير منهن يعتنين بأكثر من جيل واحد. وفي غالب الأحيان تكون أولئك النسوة أنفسهن في سن متقدمة. ففي افريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال، تتولى 20 % من نساء الأرياف البالغات من العمر 60 عاماً فما فوق دور الراعي الرئيس لأحفادهن.

 

بمناسبة يوم الصحة العالمي في العام 2012 والمخصص للشيخوخة والصحة تحت شعار “الصحة الجيدة تضيف حياةً إلى السنين”، قامت منظمة الصحة العالمية بتصميم مجموعة من الملصقات من أجل محاربة الصور النمطية الراهنة التي يواجهها المسنون.

وتُظهر هذه الملصقات المسنين في أوضاع إيجابية وهم يستمتعون بالحياة على نحو كامل ويشعرون بالرضا عن الحياة التي يعيشونها. وأمثلة لأنشطة المسنين التي قامت المنظمة بتصميمها:

هيلموت ويرز صيدلاني متقاعد

يمثّل القفز من مرتفعات عالية الهواية التي يعشقها هيلموت ويرز البالغ من العمر 87 عاماً. فقد اكتشف هذا الصيدلاني السابق القفز بالحبال المطاطية عندما كان عمره 75 عاماً.

وهو يقول في هذا الصدد: “عندما أقف هناك أشعر بهدوء تام”، مع أنّه غير مؤمّن سوى بشريط مطاطي مربوط في رجليه. وظلّ هيلموت صاحب الرقم القياسي لأكبر القافزين بالحبال المطاطية سناً في العالم منذ عدة سنوات.

أكبر معمر يحقق رقماً قياسياً في القفر بالمظلة

حقق بريسون وليام هايز، وهو من جنوب إنجلترا، رقما قياسيا بعدما قفز بالمظلة وهو في عمر 101 عام. وبهذا يصبح أكبر معمر في العالم يحقق هذا الإنجاز.