+A
A-

جمال فخرو... خبير اقتصادي و “شوري” محنك

صندوق “جاسم فخرو” ساهم في تدريب بحرينيين كثر

أول مكتب على مستوى الخليج يسد فراغ التدقيق والمحاسبة

لم أفكر يوما ما في ممارسة العمل السياسي بجانب المهنة

يجب ألا يوجد محاسب عاطل عن العمل

أصغر شوري في المجلس الاستشاري

 

 

خبير اقتصادي وشوري مخضرم ومحنك. عُرف دائمًا بصراحته وآرائه الجريئة، فخلال الأعوام الماضية لا تخلو جلسات مجلس الشورى من مداخلاته السديدة.

وإلى جانب عضويته بمجلس الشورى فإن الوجه الآخر لمحدثنا جمال فخرو، يسفر عن أنه ضليع في علم المحاسبة وإدارة الأعمال، فهو شريك تنفيذي في شركة “كي بي ام جي” البحرين المتخصصة في المحاسبة والتدقيق. “أبوفراس” منح وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الثانية. حاولنا في لقائنا معه الاكتفاء بالاقتضاب في سيرة حياته:

النشأة

ولدت العام 1956 في منطقة القضيبية، حيث نشأت وترعرعت ودرست في مدارسها وترافقت فيها مع أصدقاء وأصحاب. كانت القضيبية للبحرين في ذلك الوقت من المدن المتقدمة، حيث كانت تستخدم مصيَفًا لبعض العوائل وبالذات لسكنة المحرق والرفاع، وكثير من أفراد العائلة الحاكمة انتقلوا للعيش فيها. اعتقد أن القضيبية كان لها وضع خاص في تلك الفترة واستفدنا منها.

المرحلة الجامعية

الجامعة نقطة التغيير الرئيسة في حياة أي إنسان. وبالنسبة لي غيرتني الجامعة كثيرًا، فأولا أدخلتني إلى الحياة العامة والعمل الطلابي والعمل السياسي في سن مبكرة.

دخلت الجامعة وكان عمري وقتها 16.5 عام، ذهبت واعتمدت على نفسي في البحث عن السكن والدخول للجامعة، (...) الجامعات في المنطقة العربية ليست منظمة كما هي في الجامعات الأجنبية، فالدخول إليها ليس سهلا وإجراءات القيد بها ليست بالسهلة، إلا أننا قمنا بها بأنفسنا وبمساعدة الطلاب الموجودين معنا.

التحقت بجامعة القاهرة، حيث كنت أرغب في دراسة تخصص طب لكن مجموعي لم يؤهلني لدخوله، فاقترحوا علي دراسة تخصص العلوم، وبالفعل التحقت بكلية العلوم في شهر سبتمبر أو أكتوبر من العام 1972 إلا أنني لم استحسن الدراسة وخلال شهرين اتخذت قرار الانتقال لدراسة التجارة. كان الانتقال في القاهرة من كلية إلى أخرى سهلا في بعضها وصعبًا في أخرى، وكان الانتقال من كلية العلوم إلى التجارة يسيرا، ولذلك لم أجد مشكلة أو صعوبة في ذلك. فانتقلت لكلية التجارة وبدأت أول سنة دراسية في شهر ديسمبر.

العمل في الصيف

خلال فترة الإجازة الصيفية كنت أعود إلى البحرين للعمل في “كي بي إم جي”، وآنذاك كانت مؤسسة صغيرة باسم “مؤسسة فخرو للمحاسبة والتدقيق”، حيث كنت أتمرن فيها لمدة شهر إلى شهر ونصف، ثم أعود إلى القاهرة لإكمال دراستي الجامعية.

التحقت بالمكتب منذ تخرجي، وكنت محظوظًا لأنني لم أبحث عن وظيفة، ومحظوظا أيضا لأنني لم أخسر وظيفة، ومحظوظا كذلك بالتدرج في المناصب إلى أن وصلت إلى منصبي الحالي.

تجربة المكتب رائدة، والأخوان في المكتب حسين قاسم وجاسم فخرو أيضًا منحاني ثقتهما من أول يوم وكلفاني بالكثير من المسؤوليات المهنية ثم الإدارية.

تعلمت ودرست وأخذت شهادة مهنية، وبحكم ارتباطنا مع شركة “كي بي إم جي” أعطاني الوضع فرصة كبيرة لحضور المؤتمرات الدولية والمشاركة فيها خصوصا بمنتسبي المكتب والاختلاط بقيادات في “كي بي إم جي” مما ساعدني على تطوير العمل الإداري والعلمي ومكنني من تبوء منصب رئيس في المكتب منذ 1987 وإلى الآن، ألا وهو مسؤولية الشريك التنفيذي لشركة “كي بي إم جي” البحرين.

قصة “كي بي إم جي”

اليوم نحتفل بمرور 50 عامًا، وعندما تأسس المكتب في العام 1968 مؤسسة بحرينية خالصة من قبل الأخوين جاسم فخرو وحسين قاسم، كانا في الحقيقة يسدان فراغ في مهنة المحاسبة والتدقيق؛ لأنها تعتبر أول مؤسسة بحرينية وأول مكتب خليجي على المستوى الخليج العربي كجهة تؤسس من قبل مواطنين في دول مجلس التعاون في هذا المجال.

والحمد لله بإصرار الأخوين حسين وجاسم ومهنيتهما العالية واهتمامهما بتقديم خدمات على مستوى عال وتقديم خدمات الهدف الأساس منها أن تكون متميزة استطاعا خلال سنوات قليلة أن يرسما اسمًا لامعًا في البحرين.

جرت محاولات عدة للتعاون مع مكاتب عربية إلا أنها لم تنجح، ولكن بعد فترة في حوالي العام 1981 أو 1982 أتت شركة “كي إم جي” حيث كانت تبحث وقتها عن مكاتب تمثلها في المنطقة وتم الاتفاق أن تمثلها مؤسسة فخرو في البحرين ابتداء من العام 1982.

في العام 1987 اندمجت مؤسسة “كي إم جي” مع بيت ماوك وأسسوا “كي بي إم جي” وأصبحنا أعضاء في المؤسسة الجديدة، ومن ساعتها خلقنا تزاوجا ممتازا، إذ كان معظم عملائنا شركات بحرينية في البحرين، أما شركة بيت ماوك التي اندمجنا معها كان معظم عملائها شركات أجنبية، فحدث اندماج وتزاوج جميل وجلبنا عملاءنا البحرينيين وجلبوا عملاءهم الأجانب وخلقنا معا مؤسسة منذ ذلك الوقت رائدة في العمل المهني وخلقت سمعة، والكل يشهد لها. وتطورنا في العمل جعلنا اليوم نصل إلى أكثر من 300 موظفا، نسبة البحرنة تصل إلى 65 % في المكتب و75 % في قسم التدقيق.

المكتب بحريني منذ أول يوم أسسه فيه الأخوان جاسم وحسين، في البداية لم يوظفا أي أجنبي وظلا يقاومان لحد ما، لكن متطلبات العمل وزيادته اضطرتنا بين فترة وأخرى لتوظيف أجانب، (...) في بداية الثمانينات جلبنا مديرا إنجليزيا وساعدنا في تطوير المكتب بشكل كبير، ومعه اضطررنا لتوظيف موظفين أجانب من بينهم إنجليز وهنود.

تدريب أكثر من 100 بحريني

فلسفتنا في المكتب قائمة على تقديم أرقى الخدمات لعملائنا بأعلى كفاءة وجودة، وتدريب العناصر البحرينية، إذ إن سمعة المكتب معروفة في السوق ولدى الطلاب تحديدًا بـ “إذا أردت أن تتعلم أو تتدرب في قسم المحاسبة حاول أن تجد وظيفة لدى كي بي إم جي” و “إذا أردت الحصول على شهادة مهنية أخرى حاول إيجاد مكان لك في شركة كي بي إم جي”؛ نظرًا لأن الشركة تقدم منحا دراسية لكل موظفيها، وكل موظف يحق له التقدم للحصول على شهادة مهنية في مجال عمله، والمكتب يتكفل بكل المصاريف.

الحمد لله تدريب الموظفين بدأ فيه الأخوان جاسم وحسين منذ فترة طويلة، لكن عندما توفي الأخ جاسم عملنا صندوق باسم جاسم فخرو ومنذ العام 2001 إلى اليوم خرجنا أكثر من 100 بحريني وحصلوا على شهادات مهنية عالية تؤهلهم لشغل مناصب عليا سواء في المكتب عندنا أو يلتحقوا بشركة أخرى في البحرين للحصول على مناصب إدارية عليا.

البحرين سباقة في مهنة المحاسبة

تطورت مهنة المحاسبة كثيرًا منذ تأسيس المكتب وحتى اليوم بسبب تطور المجتمع، فمهنة المحاسبة والتدقيق لم تكن مهمة في الخمسينات؛ لأن العمل الاقتصادي والتجاري كان بسيطا، لكن مع بروز قطاع النفط ووجود شركات أجنبية كبرى ورساميل أجنبية وانتقال بنوك ومؤسسات مالية إلى البحرين، أصبحت هناك حاجة لمكاتب محاسبة لتدقيق أعمال الشركات وتقديم خدمات إليها، والبحرين تعتبر من أوائل الدول في الخليج التي تأسست فيها مكاتب المحاسبة الدولية.

ودخول الشركات الأجنبية آنذاك أعطى البحرين ميزة، ولذلك استطاعت مع مرور الوقت وانفتاحها على بنوك الأفشور، أن تكون مركزا ماليا، والمركز المالي لا يمكن أن يكون إلا باستكمال العناصر المكملة له، صحيح أن هناك قوانين لكن من سيقدم الخدمات، مكاتب المحاسبة الدولية، ومكاتب المحاماة الأجنبية، ومكاتب الاستشارات القانونية والهندسة وغيرها من الشركات ساعدت في تطوير البنية الاقتصادية للبحرين. فالمهنة تطورت وأصبح هناك طلب عليها مع وجود هذه الشركات الكبرى.

لا محاسب عاطلا

كنا نتحدث عن البطالة ولا يوجد محاسب عاطل عن العمل؛ لأنها من المهن المطلوبة في كل منشأة ومؤسسة، واليوم لا يوجد عمل تجاري لا توجد به مهنة محاسبة.

أعتقد أن المحاسبة من المهن التي لا يمكن الاستغناء عنها، صحيح الآن مع التكنولوجيا الجديدة واستخدام الديجتال والروبوتيك سيكون عليها تأثير لبعض المهن ومنها المحاسبة.

نقلة نوعية

مجلس الشورى بالنسبة لي نقلة نوعية، ولم أفكر في يوم من الأيام أن أمارس العمل السياسي بجانب عملي المهني، لكن عندما دعيت لأكون عضوًا في أول مجلس شورى في العام 1992 وكان وقتها مجلس استشاري، لبيتُ الدعوة وكنت سعيدًا أن وقع علي الاختيار من ضمن 30 شخصًا آخرين كنت الأصغر بينهم.

وجدت التشجيع الكبير من القيادة السياسية ومن الأمير الراحل سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ورئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، كانا الداعمين لي ويشجعانني في المشاركة وإبداء الرأي وأن يكون لي دور فاعل في المجلس، وأيضًا بحكم تجربتي في العمل الطلابي وتجربتي في العمل السياسي عندما كنت طالبًا وعملي المهني والمكتب.

25 عاما في الشورى

الإصلاح السياسي الذي قام به جلالة الملك، منحني أيضًا ثقته وكنت أحد أعضاء لجنة صياغة الميثاق، ثم منحني جلالة الملك وسمو ولي العهد ثقتهما وعينت في لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني التي تشكلت مباشرة بعد إصدار الميثاق لمدة عامًا واحد. وعندما وقعت الأحداث المؤسفة في البحرين عينت في لجنة الحوار الوطني، وكل هذه الأمور أعتقد أنني أديت دورًا معينًا ربما لاقى استحسان الناس والقيادة الحكيمة، وأشعر بالسعادة دائمًا عندما أرى ارتياحا من آرائي، أحيانًا تكون آرائي قاسية، ربما أكون صريحًا أو أكثر صراحة، لكننا تعودنا على ذلك. خلال الـ 25 سنة التي دخلت فيها مجلس الشورى سواء كان المجلس الاستشاري أو السلطة الاستشارية لم أجد أحدا يقيد من حريتي في إبداء رأيي ولم يغضب أحد مني بحيث أنه يأمرني بعدم إبداء رأيي في موضوع معين أو أن أصمت.

25 سنة مارست فيها عملي ومسؤولياتي بما يرضي ضميري، وأشعر بسعادة أنني قدرت بشكل أو آخر أن أؤثر في العمل السياسي والاقتصادي والتجاري في البحرين. وعندما أتقدم باقتراحات أجد الدعم، ولذا استطعت مساعدة السلطة التشريعية في أداء دورها واستطعت مساعدة الحكومة أيضًا في تحقيق أهدافها التي تصبو إليها من خلال التشريعات القانونية، ومساعدة القطاع الاقتصادي بسن تشريعات مدروسة وموزونة ومناسبة للبحرين.

تجربة رائدة

أعتقد أن تجربة ثنائية السلطة التشريعية في البحرين فعلا من التجارب الرائدة في المنطقة والعالم والتي تعطي هذا النوع الجميل من التوازن. الكل يجد أن السلطة التشريعية عادة في تضاد مع السلطة التنفيذية، لكن أعتقد تركيبة المجلسين خلقت هذا التوازن والتعاون بين السلطتين في صورته الحقيقية، ألا وهي أن مجلس الشورى صمام أمان لأي قرار قد يأتي من أي جهة من الجهات، قد يأتي من الإخوة في الحكومة أو الإخوة في مجلس النواب. وبالفعل استطعنا تحقيق ما كان يطمح له جلالة الملك عندما أعددنا الميثاق، وذكر جلالة الملك بالحرف الواحد أن هاتين السلطتين متوازيتان، وكل سلطة تكمل الأخرى.

ولذا فإنني أقول إن نجاح مجلس الشورى هو نجاح للسلطة التشريعية ككل، وإذا فشلنا في مجلس الشورى فهو فشل للسلطة التشريعية ككل.

وأعتقد أن خلال الـ 16 سنة الماضية مع بدء الإصلاح السياسي في البحرين استطعنا تأسيس عمل برلماني معقول مناسب يتماشى مع الأعراف الدولية ويأخذ في الاعتبار حداثة التجربة البحرينية.

لكل زمان دولة ورجال

الوالد كان دائمًا يردد جملة “لكل زمان دولة ورجال”. في البداية استغربت منها والآن مع التجربة والمشاركة بدأت أثق أن لكل زمان دولة ورجال. فالشخص يؤدي عمله وينجز في وقته حق عائلته ووطنه وعياله ويترك لمن بعده؛ ليحملوا الراية ويكملوا.  وهنالك حكمة أخرى فحواها “لا تقفوا بعلومكم بين أولادكم فقد خلقوا لغير زمانكم”. وهذا شبيه بالرأي الآخر، فمهما تعلمنا فهو لفترة زمنية معينة، وأبناؤنا يرغبون في شيء مختلف عما عرفناه ونريده، ومن المستحيل أن نطورهم لو جعلناهم يبقون على علمنا ومعرفتنا فقط.