+A
A-

إن الله غفور رحيم

الغفور اسم من أسماء الله الحسنى، وقد ذُكر لفظ الغفور في القرآن الكريم 91 مرة، أما غفور رحيم فذكرت 49 مرة كتأكيد على رحمة الله تعالى وغفرانه، أما الرحمة وردت في أكثر من 160 موضعًا باشتقاقاتها وتصريفاتها.

إن الغفور تعني كثير الغفران، وتأتي بمعنى التبشير وتعجيل السرور للمذنبين، أو الصفح والعفو وعدم المؤاخذة، والستر على الذنوب وتغطيتها والعفو عنها.

إن الغفران نعمة من نعم الله تعالى على عباده، وهي نعمة واحدة من نعمه التي لا تُعد ولاتُحصى، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم آيات كثيرة عن غفرانه ورحمته، كما رُويت الكثير من القصص الثابتة عن الرحمة والغفران، مثل قصة السفاح الذي قتل 100 نفس وغفر الله تعالى، أو المومسة التي سقت كلبًا وغفر الله لها، وقصة راعي الغنم الذي قاتل مع المسلمين ودخل الجنة ولم يركع أي ركعة لله، وقصة الرجلين من بني إسرائيل اللذين كان أحدهما عابدًا والآخر مذنب، فقال العابد للمذنب بأن الله لن يغفر له، وعند قبض أرواحهما  أدخل الله العابد في النار والمذنب في الجنة برحمته.

ومن نعم الله تعالى أنه خلق 100 رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض.

وليس هذا فحسب، فمغفرته وسعت كل شيء دون تحديد وقت أو عدد معين، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أنه له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. إعمل ما شئت فقد غفرت لك.

كما يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن دم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا (بملء الأرض خطايا)، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة.

أليس هو من ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة في ثلث الليل الأخير ليقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له حتى ينفجر الفجر؟

ومن نعم الله سبحانه وتعالى أنه لم يربط رحمته بفعل معين، فهو يغفر لمن يريد دون حساب، فقد تكون الرحمة من الاستغفار، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف.

وقد تكون بذكر الله، فمن قال سبحان الله وبحمده مائة مرة، غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، ومن قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، ومن أكل طعامًا فقال: الحمدلله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن لبس ثوبًا جديدًا فقال: الحمدلله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن سبح الله تعالى دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. ومن قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غفرت له ذنوبه وخطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، ومن قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، غفر له ما تقدم من ذنبه.

وقد تكون الرحمة بالأفعال مثل الصلاة، فعن الرسول صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يذنب ذنبًا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له، ومن أحسن وضوءه ثم صلى غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها، كما أن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة أثناء الصلاة (قول آمين) غفر له ما تقدم من ذنبه، وإذا وافق قول أهل الأرض قول أهل السماء (سمع الله لمن حمده) غفر له ما تقدم من ذنبه.

أو حتى الوضوء، فبعد الوضوء يخرج العبد نقيًا من الذنوب.

أو العمرة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم  أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.

أو قد تكون المغفرة فقط بالإيمان، فمن مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.

ومن مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى أنه يسجل الحسنات حتى وإن هم بها ولم يعملها عبده، أما إن عملها فيكتبها الله عشرًا، ولا يسجل الله السيئات إلا أن يقوم بها عبده.

وحتى بالنسبة لرمضان، فمن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وفي حديث آخر من قام ليلة القدر فيوافقها إيمانًا واحتاسبًا غفر له.

وقد شملت رحمته العبد حتى بعد رحيله عن الدنيا، فمن صلى عليه 100 من المسلمين كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه.  وفي حديث آخر من قام على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه، وفي حديث آخر: ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا غفر له.

فسبحان الله الغفور الرحيم.

 

مصطفى العديلي