+A
A-

البراءة لشاب وضع قنبلة وهمية رغم ضبط خلاياه فيها

قضت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة ببراءة متهم مما نسب إليه من اتهام بوضع قنبلة وهمية في منطقة سترة بالقرب من “دوار البندر”؛ وذلك لأن مجري التحريات تناقضت أقواله، ولأن تقرير مختبر البحث الجنائي لم يورد أي بصمة للمتهم على الجسم المضبوط، بالرغم من ضبط خلايا بشرية تعود إليه تم رفعها من على الشريط اللاصق المثبت على الهيكل المحاكي لأشكال المتفجرات المضبوط.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن قضاءها قد جرى على أن القواعد المبدئية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة، وإن كانت إجرائية في الأصل - إلا أن تطبيقها في مجال الدعوى الجنائية - وعلى امتداد حلقاتها - يؤثر بالضرورة في محصلتها النهائية، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية توجبها الفطرة وتفرضها حقائق الأشياء.

متى كان ذلك، وكان افتراض البراءة يمثل أصلا ثابتا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وكان هذا الأصل يمتد إلى كل فرد سواء أكان مشتبها فيه أم كان متهما باعتباره قاعدة أساسية في النظام الاتهامي، أقرتها الشرائع جميعها - لا لتكفل بموجبها الحماية للمذنبين - وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن كل فرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام الجنائي.

وتابعت، أن الاتهام الجنائي - في ذاته - لا يزحزح أصل البراءة، بل يلازم الفرد دوما، ولا يزايله سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثناءها وعلى امتداد حلقاتها، وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها - فقد غدا دحض أصل البراءة ممتنعا بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية - في مجال ثبوت التهمة - مبلغ الجزم واليقين، بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفائها.

وباستعراض وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها ترى المحكمة أن الاتهام قِبَلَ المتهم قد أحيط بظلال كثيفة من الشكوك والريب، ذلك أن الواقعة قد ارتكبت بتاريخ 29 نوفمبر 2016، ولم تتوصل التحريات إلى مرتكبها والنيابة العامة قررت في الأوراق بألا وجه لإقامة الدعوى، ثم قدم الشاهد الثاني محضرا بالتحريات مؤرخ بتاريخ 26 فبراير 2017 أورد فيه أن مرتكبي الواقعة هم 13 متهما آخرين من غير المتهم الحالي، وسئلوا بالتحقيقات وأنكروا ما أسند إليهم، والمحكمة قررت في الأوراق مرة ثانية بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الدليل.

وأضافت أنه ورد دليل من مختبر البحث الجنائي المؤرخ في 19 أكتوبر 2017، والذي يفيد بأن المتهم هو مصدر الخلايا البشرية المرفوعة من الشريط اللاصق أسود اللون الملفوف على الأسلاك الكهربائية، ثم أعقب ذلك محضر تحريات ثالث مؤرخ بتاريخ 7 ديسمبر 2017 مغاير لمحضر تحريات سابق يفيد بأن التحريات قد دلت على اشتراك المتهم الحالي في الواقعة.

ولفتت المحكمة إلى أن التناقض في محضري التحريات وتقرير محرره بالتحقيقات بأنه اعتمد على مصادره السرية في كلا المحضرين، يشكك المحكمة في جدية تلك التحريات، وترى المحكمة أن تلك التحريات غير جديرة وتطرحها جانبا ولا تعول عليها وعلى شهادة من أجراها، ولا تطمئن كذلك إلى تقرير شعبة مختبر البحث الجنائي كدليل كافي للإدانة، فهي قرينة لا تكفي وحدها لإقامة الاتهام قبل المتهم ودلالتها افتراضية محضة؛ لأنها تحتمل صورا شتى من التأويل والاحتمال خصوصا وأن تقرير شعبة البصمات لم يورد أي بصمة للمتهم على الجسم المضبوط بما فيها الشريط اللاصق الذي احتوى على الخلايا البشرية للمتهم والشريط اللاصق باعتباره من الأشياء المتداولة، فإن وجود خلايا بشرية للمتهم عليه لا يكفي بحد ذاته ولا يؤدي بطريق اللزوم العقلي إلى أن المتهم هو مرتكب الواقعة.

وتتمثل والواقعة المتهم بها الشاب في أن رسالة كانت قد وردت من غرفة العمليات الرئيسة للنيابة العامة، مفادها وجود جسم غريب على شارع رقم 1 باتجاه دوار البندر في منطقة سترة واديان، فتوجهت قوة من الشرطة لمكان الواقعة وحال وصولهم تم إيقاف حركة السير لتأمين الموقع، وشوهد جسم موضوع في الشارع، وهو عبارة عن أسطوانة غاز من الحجم الصغير موضوعة داخل سلة بلاستيكية زرقاء اللون، فتم استدعاء الجهات المختصة للتعامل مع الجسم وتبين أنه جسم وهمي.

وبإجراء التحريات بالاستعانة بالمصادر السرية، تم التوصل إلى اشتراك المتهم في الواقعة، وأنه من ضمن مرتكبيها مع آخرين مجهولين.

كما ثبت من تقرير مختبر البحث الجنائي أن المتهم هو مصدر الخلايا البشرية المرفوعة من الشريط اللاصق أسود اللون الملفوف على الأسلاك الكهربائية المصنوع منها العبوة الوهمية.

لكن وأثناء التحقيق مع المتهم أنكر ما نسب إليه واعتصم بالإنكار حتى أمام المحكمة، وقدم وكيل المتهم مذكرة دفع فيها بعدم جدية التحريات وانتفاء أركان الجريمة المسندة للمتهم وخلو الأوراق من ثمة دليل يقيني وبعدم كفاية تقرير المختبر لإسناد الواقعة بالمتهم، وطالب أصليا الحكم بالبراءة واحتياطيا استعمال الرأفة مع المتهم.

وكانت النيابة العامة قد أحالت المتهم للمحاكمة على اعتبار أنه بتاريخ 29 نوفمبر 2016، وضع وآخرون مجهولون بمكان عام هيكلا محاكيا لأشكال المتفجرات والمفرقعات، ويحمل على الاعتقاد بأنه كذلك تنفيذا لغرض إرهابي.