+A
A-

فيلم ساير الجنة.. عندما يبحث لنا سعيد سالمين عن الأمل

يعتبر فيلم “ساير الجنة” للمخرج الإماراتي سعيد سالمين نقلة نوعية للسينما الإماراتية برأي المختصين، ويقدم تجربة مختلفة في العمل السينمائي الخليجي خصوصا.

الفيلم الذي شاهدته شخصيا في مهرجان دبي السينمائي الدولي هو الفيلم الروائي الطويل الثاني في مسيرة المخرج سعيد سالمين المري بعد فيلم “ثوب الشمس”، الذي شارك كذلك في العديد من المهرجانات السينمائية حول العالم وسيعرض الليلة في نادي البحرين للسينما بالجفير وبحضور المخرج ومساعده المخرج البحريني عمار الكوهجي في ليلة تكريمية لسالمين في البحرين مع انطلاقة برنامج الصالون السينمائي بالنادي.

يحكي الفيلم الجميل قصة سلطان، وهو صبي يبلغ من العمر 11 عامًا يهوى تربية أسماك الزينة وتشغل كل وقته، إذ يبحث عن حنان مفتقد بعد رحيل جدته، خصوصا مع قسوة زوجة والده عليه، ويروي بها ظمأه العاطفي، متوسمًا في صباح كل يوم أن تعود جدته الغائبة الحاضرة التي كانت تحتضنه.

ولا يجد سلطان أنيسًا ولا جليسًا سوى صديقه الذي يكبره بعام واحد ويدعى عبدالله، وهو المرافق والسند القوي والعقل المخطط له في جميع أموره ومشاكله، ويهوى الأخير ركوب الدراجات النارية، التي طالما زينها بصور وملصقات لمشاهير كرة القدم.

أما الوالد أبو سلطان فيعيش ضمن أسرته المكونة من الزوجة والابنة الصغيرة فاطمة ذات السبعة أعوام، وسلطان الذي يعيش بينهم في غربة وعزلة فاقدًا الحنان ورعاية الأم، إلا أن الأخت الصغيرة تحنو عليه وتنقل أخبار البيت إليه.

ويتمكن سلطان من تحمّل ظروف حياته الصعبة بتربية الأسماك، تلك الكائنات الصغيرة التي تقاسمه الغرفة ويقاسمها العاطفة، وتقف مرة أخرى قسوة زوجة الأب ضد كل ما يريح الصغير ويجلب له السعادة، معتبرة تلك الأسماك أوساخًا، فتعمد إلى التخلص منها فيحزن سلطان ويتألم، ويفيض الكيل به، فيقرر البحث عن جدته التي لم يرها، لكنه سمع صوتها عبر شريط مسجل، وشاهد صورتها التي يخبئها والده ويحتفظ بها وهو من إنتاج رؤية السنيمائية للمنتج عامر سالمين المري.

الفيلم يقدم دعوة صريحة إلى الجيل الحالي لاكتشاف أصالة الماضي، وهو ما عبّرت عنه بوضوح شخصية الطفل سلطان الذي يمثل الحاضر ورحلته للعثور على جدته التي ترمز إلى الماضي، كما يحمل الفيلم في طياته رسالة مهمة لهذا الجيل، مفادها ضرورة التشبث بالعادات والتقاليد الثابتة والنبيلة التي جُبل عليها الآباء والأجداد منذ القدم.

وعن الفيلم يقول المخرج سعيد سالمين “كان الطفلان الأخوان أحمد وجمعة الزعابي، نجمين بكل معنى الكلمة رغم أنه أول ظهور لهما، واستطعنا معًا أن نخرج بأداء عالي المستوى، كما أبدعت الممثلة الإماراتية الرائعة فاطمة الطائي، والتي أرى فيها روحًا وأداءً مدهشين، ونعتز بها كممثلة إماراتية، ولا أنسى عبدالله مسعود وعبدالله الجنيبي والممثلة القديرة مريم سلطان”.

سالمين أكد أيضًا الصعوبات التي واجهته أثناء كتابة النص، إلى جانب إخراجه الفيلم، لافتًا إلى أن العمل مع أطفال لم يسبق لهم التمثيل كان أمرًا بالغ الصعوبة والتعقيد، إذ أخذ وقتًا طويلًا بغية تدريبهم، ولكي يعتمد عليهم في بطولة هذا الفيلم.

ويشير سالمين إلى أن “ساير الجنة” يمثل بالنسبة له ذروة ما وصل إليه حتى الآن من تراكم فني ووعي خاص تجاه تقنيات الإخراج واختيار مواقع التصوير ونوع الحكاية التي يمكن أن توازن بين المطلب الجماهيري والقيمة الفنية المستقلة.

ويقول إن وقوفه أمام مسافة نقدية كافية تجاه فيلمه الطويل الأول “ثوب الشمس” منحه الفرصة أو المجال التحليلي المناسب لمعالجة بعض الأخطاء والسلبيات التي واجهها سابقًا، مضيفًا أن “ساير الجنة” ينتمي لنوعية “أفلام الطريق” ذات المطلب الأسلوبي الخاص والمعالجة المختلفة، فيما يتعلّق بالرؤية الإخراجية والإيقاع البصري، والتنقلات المدروسة بين المشاهد واللقطات، وتوزيع الزمن بما يحكم هذا الإيقاع المتسارع ويسيطر عليه.

وكان جل اهتمام سعيد كان منصبًا في “ساير الجنة” على الجانب الفني والتقني، ومراجعة وتعديل السيناريو منذ الانتهاء من نسخته الأولى في العام 2012 ثم عرضه على عدد من كتّاب السيناريو، والدخول في نقاشات ممتدة معهم حتى الوصول إلى النسخة الأخيرة والمعتمدة، والتي شجعته على شحذ كامل طاقته في التصدي لإخراج الفيلم على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهته.

ويؤكد أن السينما الإماراتية خطت أشواطا عملاقة خلال الأعوام العشرة الأخيرة، ترجمتها العديد من الأعمال الناجحة، نالت بها جوائز بالمهرجانات العربية والدولية بفضل مهرجان دبي السينمائي الذي كان له دور كبير في التعريف بالسينما الإماراتية وفتحها على العالم، مما ساعد على نشر الأعمال الإماراتية وظهورها.

ويرى أن السينما الإماراتية منافسة قوية للأعمال الخليجية والعربية الأخرى، من خلال أفكار مختلفة، ورؤى متفردة، وأساليب إخراجية متميزة بتنقيات عالية، كل هذا أظهر أعمالًا سينمائية نالت صدى كبيرًا داخل الدولة وخارجها، من قبل مخرجين همهم الأكبر السينما الإماراتية، فأعمالهم المختلفة وقضاياهم لامست هموم المجتمع، وساعدت الفيلم الإماراتي على أن يتجه إلى العالمية، ويبرز في السينما.