+A
A-

علي أحمدي.. ابن صاحب المصنع الذي رفض أن يكون مديرًا

توقيع اتفاقية إنشاء مصنع الببيسي في 1952    

“البيبسي” كامتياز تجاري لا يمكن تصديره أو استيراده إلا بإذن الشركة الأم

يجب مراعاة العدالة والإنصاف في فرض الضريبة الانتقائية

تراجعت مبيعاتنا عقب الضريبة الانتقائية وتعد أشد أزمات الشركة

 

أين نشأ علي أحمدي؟

ولدت وترعرعت على أرض البحرين، وقضيت أسعد لحظات طفولتي بفريج كانو بالمنامة.

وماذا عن المرحلة الدراسية؟

عندما بلغت الخامسة من عمري أرسلني والدي رحمه الله إلى إحدى المدارس بدولة لبنان، وعدت للبحرين لاستكمال المرحلة الثانوية، وبعدها سافرت إلى لندن لاستكمال دراستي هناك، وفي العام 1968 عدت إلى البحرين لتبدأ حياتي العملية على أرض الوطن.

متى بدأت العمل؟

عندما عدت إلى البحرين في العام 1968 كنت أتقاضى مصروفي الشهري من والدي، ووقتها كان والدي لديه مخططا في انتظاري، فقد رغب أن أبدأ حياتي العملية بشكل عصامي، فحثني على أن أبدأ أول خطوة في درب التجارة، لتكن بدايتي من الصفر، وطلب مني أن أعتمد على نفسي وظل يشجعني كثيرا على ذلك، وبالفعل بدأت ممارسة التجارة وفتحت محلا لمواد البناء في العام 1971، وكان معي آنذاك اثنان من إخواني، وخضنا التجربة وتذوقنا حلاوة المكسب ومرارة الخسارة حتى العام 1976.

وفي العام 1976 قررت الاقتراب أكثر من عمل والدي، فقررت الانضمام له في العمل بمصانع أحمدي، بعدما تعلمت الكثير من فنون التجارة واكتسبت خبرة لا بأس بها في السوق والعمل والمثابرة، وفي ذلك الوقت كان الوالد قد بدأ بالفعل في إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية للشركة، فوزع حصص الشركة على أفراد العائلة، ثم سألني وقتها ماذا تريد أن تعمل بالشركة؟ هل تحب أن تصبح مديراً للشركة؟ فرفضت ذلك العرض المغري آنذاك، فلقد رأيت نفسي آنذاك شاباً لا أملك الخبرة الكافية لقيادة مثل هذه الشركة، لذا عملت في أقسام التصنيع والمبيعات وغيرها من الأقسام الأخرى، وبعد فترة من الزمن لاحظ والدي اكتسابي المهارات اللازمة لقيادة الشركة، ولاحظ إخلاصي في العمل ومثابرتي في التعلم للنهوض بالعمل والشركة، فتدرجت في المناصب الوظيفية داخل الشركة إلى أن تقلدت منصب رئيس مجلس إدارة الشركة في ظل مناخ من التعاون المثمر مع إخواني وطاقم العمل.

كم بلغ أول راتب تقاضيته؟

أول راتب استلمته مبلغ وقدره 150 دينارا، عندما خطوت خطواتي الأولى بالتجارة، وفتحت محلا لمواد البناء، هذا كان على سبيل المكافأة؛ كون أن السجل والعمل خاص بي وبإخواني.

ومن أين أتت فكرة المصنع؟

فكرة المصنع قديمة إلى حد ما، فقد كان جدي رحمه الله يعمل في المواد الغذائية، وفي تلك الفترة كان يذهب إلى البصرة بالعراق؛ من أجل السياحة والاستجمام أثناء العطلات والإجازات، وفي كثير من الأحيان يذهب معه والدي رحمهما الله، وآنذاك كان هناك مصنعاً لمنتجات البيبسي، وكان عبدالنور من فندق البحرين يجلب معه كميات “ببيسي” من البصرة لضيوفه، كما كان جدي يأخذ منه بعض الكميات بالبحرين، ومن هذا المنطلق فكر والدي في إنشاء مصنع بدل الاستيراد، وبدأت الاتصالات مع الشركة الأم “شركة بيبسي”، ثم اتفقنا معهم في العام 1951 ليتم منحنا وكالة بيع منتوجات بيبسي بالبحرين، وتم التوقيع على الاتفاقية في العام 1952، ومن تم شراء أرض بمنطقة الزنج لبناء المصنع عليها.

هل تقومون بالتصدير لأي دولة؟

لا نصدر منتجاتنا لأي مكان، إذ إنه وفقاً للاتفاقات المبرمة مع الشركة الأم يمنع علينا أن نصدر لخارج البحرين، فكما معلوم أن “البيبسي” كامتياز تجاري موجود بمعظم دول العالم تقريبا.

كيف ترى أثر تطبيق ضريبة السلع المنتقاة على منتجاتكم؟

لا أنكر مدى الضرر الذي أصابنا في الوقت الحاضر بسبب تطبيق الضريبة المنتقاة على المشروبات الغازية بشكل سريع ومن دون تمهيد ودراسة كافية، فقد ارتفع سعر علبة المشروبات الغازية من 150 فلسا إلى 225 فلسا، وكان أكثر الأضرار التي نتجت عن ذلك رفض المستهلك هذه الزيادة، فالمستهلك بالبحرين لا يرغب في دفع الضريبة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولذلك رفض المستهلك الزيادة التي تمت على المشروبات الغازية، وتراجعت مبيعاتنا حاليا، وهذه تعد من أشد الأزمات التي تعصف بالشركة، ويعلم الله وحده ما عواقبها، وكلنا أمل في أن تقوم الحكومة بمراقبة نتائج تطبيق الضريبة الجديدة وترى مردودها على المواطن والمستثمر، ونحن في حال من الترقب والانتظار لرؤية قرارات الحكومة في كيفية تحفيز وإقناع المستهلكين بالضريبة الجديدة.

ومن أكثر الأسباب التي أصابتنا بالقلق والحيرة هو السبب المعلن لتبرير أسباب تطبيق الضريبة المنتقاة على المشروبات الغازية فقط، عندما صُرح أن السبب هو المحافظة على أساس أن استهلاك السكر يضر بالإنسان، إلا أن القرارات اقتصرت على المشروبات الغازية فقط دون غيرها من المنتجات التي تحتوي على سكريات أعلى بكثير مما تحتويه المشروبات الغازية.

كما أذكر أنه عندما تم طرح موضوع فرض الضريبة المنتقاة على السكريات بمجلس دول التعاون الخليجي، تحرك مسؤولو شركات البيبسي وغيرها من الشركات المنافسة لزيارة ممثلي مجلس دول التعاون الخليجي، ومناقشة الأسباب التي دعت المجلس إلى فرض الضرائب على السكريات، وهل الضريبة ستكون على السكريات بشكل عام أم فقط على المشروبات الغازية بشكل خاص؟ حيث إنه من المعلوم أن نسب السكريات في العصائر والشوكولاته وغيرها من المشروبات والمنتجات الغذائية أعلى بكثير من نسبة السكريات الموجودة في المشروبات الغازية.

واقترحت الشركات العالمية المتخصصة في المشروبات الغازية اقتراحا منصفا وعالميا بأن يتم احتساب الضريبة المنتقاة على أساس احتساب السعرات الحرارية في المنتج، وليس فقط على منتجات معينة بذاتها، بحيث تظل المنافسة بين المشروبات والمنتجات التي تعتمد على السكريات في تصنيعها متوازنة وحيادية دون تفضيل لمنتج على آخر، إلا أننا تفاجأنا باتجاه آخر، بحيث اختزلت الأسباب المصرح بها سابقا، وبدلاً من أن يتم فرض الضريبة على المنتجات التي تحتوي على السكريات، اقتصرت الضريبة فقط على المشروبات الغازية، وتم تفضيل العصائر وغيرها من المنتجات الأخرى على المشروبات الغازية، فزادت أسعار المشروبات الغازية وعزفت الناس عن شرائها، وظلت أسعار العصائر وباقي المنتجات كما هي دون مساس، فزادت مبيعات العصائر والمنتجات الأخرى وانخفضت مبيعات المشروبات الغازية بشكل سيئ، علما بأنه علميا المياه الغازية غير مضرة إذا تم تناولها الإنسان باعتدال كما هو الحال في جميع المأكولات والمشروبات.

المشكلة الأخرى هي أن الشعب الخليجي حديث عهد بالضريبة، إذ إنه في السابق كان سعر النفط مرتفعاً والدخل مناسب، ولجأت الحكومات الخليجية إلى تخفيف الأعباء على كاهل شعوبها، واليوم في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة وبسبب انخفاض أسعار النفط والأحداث السياسية بالمنطقة اضطرت الحكومات إلى البحث عن مورد آخر للدخل؛ لسد العجز ولاستمرار عجلة التنمية الاقتصادية، فرأت الحكومات أن فرض الضرائب ملاذا لتعويض الفجوة التي وقعت في ميزانياتها، وإن كان هذا يعد أمرا طبيعيا في علم الاقتصاد، إلا أننا نرى أنه في حال عدم توافر الدراسات المسبقة والمتقنة للآثار والتداعيات كافة التي قد تلحق بالعمل والسوق والاقتصاد بعد فرض الضرائب، سيؤدي فرضها إلى حدوث آثار سلبية على المواطن والاقتصاد ولن تحقق الهدف المرجو منها.  نحن مع قبول الضريبة حتى لو كانت تتعارض مع المصالح الفردية، فالضريبة واجب يجب أن يؤديها أهل الوطن تجاه وطنهم، ولكن نرى أن قرار فرضها حاله كحال أي قرار آخر يجب أن يتسم بالعدالة والإنصاف، ولا يأتي القرار ليميز فئة معينة من التجار عن فئة أخرى، إذ إن فرض الضريبة على منتج بعينه؛ بهدف المحافظة على الصحة العامة رغم تساوي سعراته الحرارية مع المنتجات الأخرى، يؤدي إلى أضطراب في السوق بشكل مجحف ويؤدي إلى هبوط مبيعات المنتج الخاضع للضريبة دون غيره المعفي من الضريبة، بالرغم من تساويهم في نسبة السكريات، بل قد تكون المشروبات الغازية أقل في نسبة السعرات الحرارية عن غيرها من العصائر والمنتجات الأخرى.

كم تبلغ الطاقة الاستيعابية للمصنع؟

الطاقة الاستيعابية كبيرة، ولكن الطاقة الإنتاجية تراجعت بسبب تراجع الاستهلاك وتراجع المبيعات.

ماذا عن منتجاتكم الأخرى بخلاف المشروبات الغازية؟

تنتج مصانع أحمدي المياه المعبأة صاحبة العلامة التجارية “أكوافينا” التابعة للعلامة التجارية “بيبسي”، فمبيعات المياه المعبأة ارتفعت في الفترة الأخيرة، بالرغم من وجود منافسة شرسة مع شركات كثيرة بالسوق، إلا أن جودة مياه “أكوافينا” جعلتها الأعلى مبيعات بالسوق المحلية. وزارة الصحة تشرف بشكل مستمر ودوري على مستوى الجودة بالمصنع، وتأتي لأخذ العينات من المياه والمنتجات بشكل دوري ومستمر، بل أحيانا ندعوهم نحن بأنفسنا لإجراء مزيد من الاختبارات؛ من أجل رفع مستوى الجودة والكفاءة ولتحفيز الموظفين من أجل الارتقاء بمستواهم ومعالجة أي خطأ أو خلل قد يحدث من آن لآخر، ويتم فحص العينات بمختبرات الوزارة ومختبرات المصنع أيضا. كما أنه لا يمكن توزيع المياه إلا بعد أن تمر بمراحل الفحص المختلفة، فيتم الفحص كل ساعة وبعد التعبئة وبعد تخزينها بالمخازن، وقبل طرحها في السوق، ومقارنة جميع الفحوصات أثناء وبعد التعبئة والتخزين، وإذا تطابقت النتائج بشكل إيجابي يتم طرحها في السوق.

كم عدد أفراد العائلة الموجودين بالمصنع حاليا؟

كنا سبعة أفراد، ثلاثة أولاد، وثلاث بنات والوالدة، كنا نملك جميعا حصصا في الشركة، ثم توفيت الوالدة وكذلك أخ وأخت، وبقي من الورثة اثنان من الأبناء، واثنتان من البنات. ويدير الشركة معي حاليا أخي خالد.

حدثنا عن ذريتك؟ وهل يعملون معك بالشركة؟

لدي ابنتان نوف ونور، ولدي ولدان عبدالله وفيصل، نصحت عبدالله بالعمل في القطاع البنكي؛ ليكتسب خبرة في هذا القطاع. أما فيصل، فبعد أن أتم دراسته الجامعية، رغب في العمل معي بالمصنع ليفيد العمل والشركة، وأحببت أن يبدأ مشواره في المصنع مثلما بدأتُ مع والدي، فعمله بالمصنع لا يمنحه أي امتياز أو سلطة كونه ابني، بل هو يعلم جيداً أن حاله مثل حال باقي موظفي المصنع موظف عادي، وهو سعيد بالعمل واكتسب خبرة عملية وتجارية بجواري، وبالتالي اكتسب مصدر رزقه من عمل يده.

كيف تقضي يومك؟

حالياً أقضي معظم وقتي ما بين المصنع والبيت، واستمتع جدا بالحديث مع أهلي وأحفادي في المساء، واستضافة الأقارب والأصدقاء والأحباب وزيارتهم، بالرغم من أنني سابقاً كنت أهوى صيد الأسماك وركوب الخيل وبعض الألعاب الرياضية، لكن تغير الوضع تماما بعد زيادة المشاغل وأعباء الحياة.

ما دور أم عبدالله في حياتك؟

أم عبدالله هي شريكة الدرب، وهي رفيقة العمر، فهي زوجتي المخلصة الطيبة، أكثر إنسان متفهم لطباعي وأعمالي، خصوصا أنني إنسان بالفعل صعب المراس، فمنذ بداية زواجنا وضعنا خطة مثالية للعيش ومع الأبناء والأهل والمجتمع المحيط بنا، ومازلنا على نهج هذه الخطة منذ العام 1974 وحتى يومنا هذا، وكأننا مازلنا في شهر العسل نعيش أجمل أيامنا سويا.

كيف تجد نفسك تجاه القراءة؟

لا أميل كثيرا للقراءة؛ بسبب انشغالي التام في المصنع، بخلاف أم عبدالله، فهي تحب القراءة كثيرا، وغالبا ما تكون بيننا نقاشات حول ما قرأته، فصراحة أستفيد منها كثيرا بفضل حبها للقراءة، أما أنا، فأحيانا استمع إلى الراديو أو أشاهد التلفاز من حين لآخر، ومع ثورة الإنترنت أصبح من اليسير الحصول على ما تريد بمجرد ضغطة زر.

ما أول سيارة أقتنيتها؟

اشترى لي الوالد سيارة تويوتا في الستينات، ولكن بعد فترة وجيزة تعرضت لحادث مؤلم وانقلبت بي السيارة وخرجت من الخدمة “(تكنسلت”)، بعدها رفض والدي شراء سيارة أخرى لي، فذهبت بنفسي وأخذت سيارة “نيسان 1200” بالأقساط، كان سعرها 1620 دينارا، بينما أدفع 60 دينار شهريا من راتبي الذي كان مقداره آنذاك 150 دينارا أثناء عملي في مواد البناء.

كلمة خاصة تحب أن تختم بها اللقاء؟

نعم، أود أن أقول إنني أؤمن أن الحكام وحكومتنا والتجار والمستثمرين والشعب والمقيمين على أرض الوطن هم يد واحدة تعمل معاً للارتقاء بوطننا البحرين، ونعمل معاً من أجل رفع راية المملكة عالية في شتى مجالات الحياة.