+A
A-

صفاء العفو... ولادة بأكسجين ناقص... وشلل دماغي يتوحش

ولادة مبكرة لتوأم ثلاثي... الأولى سليمة.. والثالثة متوفاة

خريجة الإعلام تبحث عن فرصة لإثبات إمكاناتها

أناشد المجلس الأعلى للمرأة مساعدتي في الحصول على وظيفة مناسبة

 

ولدت صفاء العفو قبل الأوان، ونتيجة لنقص الأكسجين أثناء الولادة، أصبيت بإعاقة تُعرف علمياً بـ “شلل دماغي رباعي تشجني”. جاءت صفاء لهذه الدنيا مع توأم ثلاثي “3 بنات”، غير أن القدر لم يعاملهم بالتساوي منذ أول يوم لهن في هذه الحياة.

وأفرزت الولادة المبكرة للتوائم الثلاثة عن ابنة سليمة تماماً وأخرى توفاها الله، وثالثة يرافقها إعاقة الشلل الرباعي التشنجي لهذه اللحظة، وهي ضيفة “البلاد” صفاء العفو.

تقول العفو في حديثها للصحيفة أن قسوة الإعاقة تشتد. سابقاً لم تكن التشنجات قوية كما هو الحال الآن ولذا استطعت استكمال الدراسة الجامعية، وكنت أفكر في العمل أيضاً. وأما اليوم، فواقع التشنجات أكثر وطأ وألماً.

دعم القائد

تخرجت العفو من جامعة البحرين بدرجة البكالوريوس في الإعلام والعلاقات العامة، وتدين بالفضل في هذه الخطوة لرئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.  وتضيف: لولا دعم سموه لما كُنت قد حظيت بفرصة التعليم الجامعي. إن الجامعة كانت تعتقد بأن وضعي الصحي لم يكن يسمح بالجلوس لفترات طويلة في الكرسي المدولب، وبالتالي فأنا لست قادرة على التعليم.  وتتابع قائلة: غير أنني كنت جزءًا من مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة التي حظت بتكريم من صاحب السمو، وحصلت من رئيس الوزراء أيضا على منحه للدراسة في أي مؤسسة تعليمية أو تدريبية، وعليه أصبحت جامعة البحرين ملزمة بقبولي.

المطبات

غير أن الطريق أمام صفاء لإثبات قدراتها تتخلله العديد من المطبات، فتشير العفو إلى أن موظفي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية يستغربون أصلاً من فكرة تخرجها من الجامعة رغم إعاقتي بـ “الشلل الرباعي”، وتفيد: عندما أتصل أو أزورهم للبحث عن وظيفة، يسألوني “كيف تخرجتِ من الجامعة ولديك شلل دماغي رباعي تشنجي؟!”

ولفتت أيضا إلى أن طلبها للتوظيف في ديوان الخدمة المدنية لم يلق أي صدى، ولذا فناشدت المجلس الأعلى للمرأة عبر “البلاد” مساعدتها في الحصول على وظيفة مناسبة تثبت فيها مقدرتها وتوظف فيها إمكاناتها.    

وفيما يلي نص اللقاء:

ولادة مبكرة

تستخدمين الكرسي المتحرك في كل مكان، متى بدأت علاقتك مع الإعاقة؟

- ولدت قبل الأوان وتحديداً في الشهر السابع من الحمل، ونتيجة نقص الأكسجين أثناء الولادة، أصبت بشلل دماغي رباعي تشجني. سابقاً لم تكن التشنجات قوية كما هو الحال الآن؛ ولذا استطعت استكمال الدراسة الجامعية، وكنت أفكر في العمل أيضاً. وأما اليوم، فواقع التشنجات أكثر وطأ وألماً.

 

ما مشكلات الولادة التي أدت إلى نقص في الأكسجين؟

- ولدت كتوأم ثلاثي “3 بنات”، واحدة منا تعيش الآن - ولله الحمد - سلمية، ومن دون أي إعاقات أو أمراض جوهرية، والثانية - اختارها الله - وماتت أثناء الولادة، وعشت أنا حية أرزق لهذه اللحظة وترافقني في الحياة إعاقة الشلل الرباعي.

فشل وعودة

كيف تستذكرين طفولتك؟

- لم أربَّ على اعتبار أني طفلة معوقة، فلم أحظ بمعاملة خاصة، بل على العكس تماماً. لابد أن أحاول إنجاز أي أمر ما بمفردي أولا، وإذا ما فشلت أعود لوالدي.

 

هل واجهت أي مشكلات خلال الطفولة؟

- أجل، عندما حان وقت الدراسة، جرى الضغط على عائلتي من أجل إدخالي معهد الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة، فيما والداي كانا يفضلان دخولي إلى المدارس الاعتيادية ودمجي مع أقراني على نحو طبيعي.

عطف أميري

وهنا قدمنا رسالة إلى الأمير الراحل سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة للحصول على استثناء، وشملنا الأمير بعطفه فعلاً ودخلت مدرسة سمية الابتدائية للبنات في منطقة النعيم، وأنا أول حالة لذوي الاحتياجات الخاصة تتعلم في هذه المدرسة.

 

كيف كان الاندماج في مدرسة “الدمج”؟ هل من صعوبات؟

- على مستوى التعليم، لم أواجه معوقات، المشكلة في تقبل الزميلات، وتقبل طريقة المشي عبر الاستعانة بالكرسي “ووكر”، فلم تخلُ هذه المرحلة من سخرية وتندر الزميلات. لم تكن هذه الفترة الزمنية تتسم بأي ود أو معرفة للمعوق واحتياجاته.   

الألم يشتد

لابد من الملاحظة هنا، إن إعاقتي كانت أبسط في السابق، فلم أكن احتاج سوى “الووكر”، وأما اليوم فاشتدت، وأنا لا أستطيع التحرك إلا عبر دعم الكر سي المتحرك.

ماذا بعد المرحلة الابتدائية؟

- انتقلت للدراسة في مدرسة السنابس الإعدادية، فهذه المؤسسة كانت مهيأة أكثر لذوي الاحتياجات الخاصة.

حاجز الخوف

إن المرحلة الإعدادية هي البداية لكسر حاجزي الخجل والخوف من السخرية، والطريق نحو بناء العلاقات طبيعية وسلسلة.

 

ما المحطة التي جاءت بعدها؟

- درست المساق التجاري في مدرسة جدحفص الثانوية للبنات، ودخلت في هذا المسار الدراسي مدفوعة بميولي للمحاسبة ومخاوفي من صعوبة اللغة الإنجليزية.

احتجت في هذه المرحلة إلى مساعدة المعلمات أو طالبات متطوعات لأداء الامتحانات، فعملية الإجابة صعبة وتستغرق وقتا. وأما توفير مدرسة أو طالبة أملي عليها الإجابة أو منحي وقتا إضافيا للكتابة.

الصحافة المدرسية

هل الزميلات كن يبادرن لتقديم المساعدة؟

- إن الأولية في المساعدة تُمنح للمدرسات، وذلك لتخوفهن من تعاطف الزميلات واحتمالية الإجابة عني إذا ما كن يعرفن المعلومة.

 

ما الدوافع وراء قرارك بدراسة الإعلام؟

- بدأت علاقتي بالإعلام والصحافة، في الصف الخامس الابتدائي عندما اكتشفت مدرسة اللغة العربية ميولي ومواهبي في اللغة العربية، وهنا شرعت بالكتابة في “الصحافة المدرسية”.

دعم كريم

وزاد حبي للصحافة خلال المرحلة التي سبقت قبولي للدراسة بجامعة البحرين (6 أشهر). وهنا أود أن أوجه الشكر لرئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، فلولا دعم سموه لما كنت قد حظيت بفرصة التعليم الجامعي.

 

كيف ذلك؟

-إن الجامعة كانت تعتقد بأن وضعي الصحي لم يكن يسمح بالجلوس لفترات طويلة في الكرسي المدولب، وبالتالي فأنا لست قادرة على التعليم، غير أنني كنت جزءًا من مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة التي حظيت بتكريم من صاحب السمو، وحصلت من رئيس الوزراء أيضا على منحه للدراسة في أي مؤسسة تعليمية أو تدريبية، وعليه أصبحت جامعة البحرين ملزمة بقبولي.

رحلتي بين العقول

ألم تكن دراسة الصحافة صعب؟

- لا أحب مقررات اللغة الإنجليزية، وهي جزء من الخطة الدراسية، ولا أستطيع التكيف السريع مع الخطوات الارتجالية. وأما الأمور المرتبطة بكتابة المقالات والقصص، والحفظ وأداء الامتحانات، فهي ممكنة إلى حد كبير.

شرعت مؤخرا في كتابة الأفلام القصيرة، وتجربتي الأولى انطلقت مع جمعية فزعة شباب عبر كتابة سيناريو لفيلم “رحلتي بين العقول”.

 

ماذا بالنسبة للمستقبل؟   

- عندما كنت أستعد للتخرج قبل عامين، كنت أتطلع إلى إيجاد فرصة عمل مناسبة، وأما اليوم ومع اشتداد الإعاقة وشح الفرص، فأسعى لأن أخصص الجزء الأكبر من وقتي للعمل التطوعي.

تعويض النقص

أحاول أن أعوض النقص عبر مساعدة الآخرين، فأتحرك لدعم حق ذوي الإعاقة في ساعتَي رعاية مثلا.

أتطوع لتهيئة المعوقين الذين ولدوا سليمي البنية، ومن ثم أصبحوا من هذه الفئة. هؤلاء يحتاجون تهيئة من نوع خاص تساعدهم على تقبل الواقع الجديد، وأنا أساهم في هذا الجانب عبر نشاطي في منظمات عدة، كجمعية فزعة شباب، ومركز الحراك الدولي، وفريق بلسم.

رسالة الإعاقة

أحاول أن أوصل رسالة إلى أولياء الأمور عبر مقالاتي ومساهماتي في عالم صناعة الأفلام القصيرة؛ لتلافي أخطاء ارتكبها غيرهم في التعاطي مع طفل معوق، وإن عن جهل أو دون قصد.

نحاول أن نساهم في تقبل الأب أو الأم لوجود طفل معوق.

حلم الوظيفة

هل حاولتِ الدخول في عالم الصحافة المحلية؟

- أجريت تدريبا في صحيفة الوسط سابقا، ولمدة شهرين عبر رسالة ممنوحة من الجامعة لأداء التدريب كضرورة للتخرج، غير أن الظروف الأخيرة حالت دون عملي.

ألا تفكرين الآن في الانضمام لإحدى الصحف؟

- أحلم بالوظيفة التي تمكني من خدمة بلدي والتأكيد على أن المعوق قادر على العمل والإنجاز.

في كل مرة أزور فيها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، يخبروني موظفيها أن وضعي الصحي لا يسمع بالعمل في القطاع الخاص. لابد أن تعملي حرة أو وفقا لأنظمة ديوان الخدمة المدنية. وهذه الفرص تحتاج “واسطة” لا أملكها.

ثانوي فأقل

من يطرح هذا الكلام .. هل هم الموظفون المخصصون لخدمة المراجعين؟

- عندما اتصل للسؤال عن الشواغر الوظيفية المتاحة، يستغرب الموظفون من فكرة تخرجي من الجامعة رغم إعاقتي بـ “الشلل الرباعي”، “كيف تخرجتِ من الجامعة ولديك شلل دماغي رباعي تشنجي؟!”

وزرت أيضا مركز كانو لتشخيص الإعاقة، والذين أشاروا إليَّ بأن جميع الوظائف الشاغرة لديهم لحملة الشهادة الثانوية فأقل.   

 

هل تقدمت بطلب توظيف لديوان الخدمة المدنية؟

- تقدمت من 3 سنوات تقريبا، وأريد أن أعمل وفق قدراتي، لا استطيع أن أجلس فترات طويلة على الكرسي المتحرك. وأحتاج أن أغير وضع جلوسي من وقت لآخر. وأتمنى من المجلس الأعلى للمرأة أن يساعدني في الحصول على وظيفة مناسبة أثبت فيها مقدرتي وأوظف فيها إمكاناتي.

الداعم الأول

ألا تفكرين في الكتابة من المنزل لإحدى الصحف المحلية؟

- بلى، وسلمت عدداً من المقالات لجريدة الوسط “قبل الإغلاق”، وكان يجب أن تُدقق ومن ثم تُنشر، إلا أنها أُغلقت، وعليه انتقلت للكتابة عبر منصات الجمعيات والمنظمات الأهلية.

   

من هو داعمكِ الأول في الحياة؟

- أهلي في المقام الأول، وأختي التوأم داعم لي في كل شيء منذ أن جئنا إلى هذه الحياة سوياً، وأهلنا حريصون على معاملتنا على نحو متساوٍ، وكنا نحاول أن ننجز أي عمل بمفردنا، فإن لم أستطع أنا، فهي اليد الأولى التي تمتد لمساعدتي.

في المرحلة الجامعية وقبلها، سندي في الحياة هي أختي مروة العفو.

الموقف الأصعب

ما أصعب موقفك واجهكِ في هذه الحياة؟

- أصعب موقف طرأ منذ سنتين تقريباً، عندما بدأت مرحلة التشنجات القوية من إعاقتي، أحسست أن حياتي “شبه متوقفة”، تزيد التشنجات في الأجواء الباردة أو الحارة جداً، وتزيد في الفترة الليلية.

هل من كلمة أخيرة؟

- أجل، نظرة المجتمع لذوي الإعاقة لم تتغير رغم ما بلغناه من تقدم تكنولوجي وتقني، فالمعاقون قادرون على العمل وتنمية بلدهم، وعدم الاكتفاء بالعمل التطوعي.