+A
A-

مصمم نصب الصقر يتحدث ل “البلاد”: استغرق بناؤه عامًا كاملاً وهو إهداء مني لبلدي

في لقاء جميل ومختلف، التقت “البلاد” صباح أمس محمد عبدالله جناحي في منزله بالرفاع، ومحمد هو صاحب تصميم مجسم “الصقر” الشهير بالمحرق، وهو المجسم الذي أثير بشأنه لغط مؤخراً بعد أن أعلنت هيئة الثقافة والآثار نيتها نقله من لموقع آخر بالمحافظة الجنوبية.

وتم اللقاء بدعوة كريمة من عضو مجلس بلدي المحرق نجم آل سنان، وبرفقة الإعلامي مصعب الشيخ، حيث تم تبادل أطراف الحديث مع جناحي عن قصة المجسم، البدايات كيف كانت، وإلى أين آلت إليه في العام 1983 تحديداً، وهو العام الذي نصب المجسم الذهبي الشهير في بقعته الخضراء بالقرب من المطار، وحتى اللحظة.

ويسترجع جناحي الذاكرة، قبل أن يقول “أثناء سفراتي المتعددة للدول الأوروبية ودول شرق آسيا لممارسة التجارة، لطالما لفت انتباهي وبإعجاب المجسمات المتناثرة هنا وهناك، والتي تسرد جمال تاريخ البلد، وإرثه الحضاري، مثيرة الذهول للمواطنين، وللسواح معاً، بل وإن الكثير منها أضحت من المعالم السياحية التي يعتني لها كثيرون من مناطق أخرى بعيدة، وعليه جاءت فكرة بناء مجسم جميل واستثنائي، يكون هدية متواضعة مني للبحرين”.

ويضيف “بعد تفكير طويل، وأثناء إحدى زياراتي للفلبين، لمنطقة (ريزال بارك) الساحلية تحديداً، رأيت العديد من المجسمات الجميلة هناك، وبعد بحث مضن عن صاحب هذه المجسمات الجميلة، استطعت الوصول إليه، وبعد حديث قصير معه عن أعماله، عرضت عليه الحضور للبحرين لبناء مجسم، فوافق بعد أن حدد راتباً معيناً، وطلب أن يحضر معه مساعدا متخصصا في الصباغة، وكان ذلك بالفعل، وأحضرتهم للبحرين”.

وفيما يخص التصميم، قال “فكرت بالموضوع طويلاً، وبعدها هاتفت الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، واقترحت عليه المشروع، وسألته عما إذا كان عنده صقر، فقال لي: تبي تروح قنص؟ فأجبته: ودي أشوف حركات الصقر، وأبّي أصوره، فقال: أحياناً ايمرني الشيخ راشد بن عيسى ويجيب معاه صقر، ولين جا كلمتك”، وبالفعل بعد يومين اتصل بي الشيخ، وذهبت لمقابلته، وأثناء جلوسنا، قمت بتصوير الصقر وهو بحركات عدة، منها حركة الاستعداد للانقضاض على الفريسة”.

- سألته هنا: هل لا تزال لديك هذه الصور؟

يجيب جناحي بأسف “احترقت جميعها مع احتراق معرض (سن فلاورز) للأثاث والذي كنت أملكه العام 1992”.

ويتابع “أخذت الصور جميعها ومن ثم ذهبت للشيخ عبدالله بن محمد ال خليفة رحمه الله، وكان حينها رئيس البلديات، وعرضتها عليه، وطرحت عليه فكرة بناء المجسم، وعن رغبتي بأن أهديه إلى البلدية، فأبدى إعجابه بالفكرة وبالصور المعروضة، فاستأذنت سموه بأن يوجه لتحديد المكان المناسب لبناء النصب، وكان من المواقع المرشحة الساحل الممتد ما بين جسر الشيخ عيسى بن سلمان رحمه الله، وجسر المحرق القديم، مقابل فندق الدبلومات”.

ويبتسم جناحي قبل أن يقول “لازلت أذكر كلمات الشيخ عبدالله بن محمد رحمه الله وهو يقول (احتمال يا محمد يبنون جسر بالقرب من هالمكان)، في إشارة إلى موقع جسر الشيخ عيسى بن سلمان الحالي، وهو ما حدث فعلاً”.

ويتابع “بعد أن تم اختيار الصورة المناسبة، والتي على إثرها تم تصميم المجسم، بدأنا في عمل المجسم في براحة مستودع متجري (سن فلاورز) بسترة، واستغرق العمل منا عاماً واحداً، وكان العمل شاقا، ومستمراً، ليلاً ونهاراً”.

ويضيف “ولقد أصررت يومها على أن يتم بناء المجسم من مادة قوية، تحافظ على بقاء المجسم، من حيث الشكل، واللون، والبريق لفترة طويلة، فأشار لي البعض بمراجعة المقاول عبدالله البستكي رحمه الله، والذي أكد لي أن هنالك مادة خاصة تدخل في بناء المباني الكبيرة، وهي مناسبة للأمر، ولكنها مكلفة، وعليه فلم أبالِ بالسعر، وأدخلت هذه المادة فوراً في تصنيع المجسم”.

ويضيف جناحي “بدأنا بناء المجسم، وكان من الحديد، وأدخلنا به الأسياخ الحديدية والفولاذية الضخمة، ثم تمت تغطيته بمواد اسمنتية خاصة، ومواد أخرى تدخل بجوانب الصباغة ومقاومة الصدأ وما إلى ذلك، وبعد عام ذهبت مجدداً للشيخ عبدالله، وأخبرته أن مجسم الصقر جاهز، فأبدى رحمه الله إعجابه بالأمر ودهشته بذات الوقت”.

وفي سؤال عن وزن المجسم، ضحك جناحي قائلاً “شدراني، أي ميزان ذي اللي بيقدر يوزنه لك؟”.

ويواصل “وبعد تردد من الشيخ عبدالله بشأن اختيار الموقع، وبعد أيام عدة، وقع اختياره على موقع المجسم الحالي، وأثناء نقل المجسم من سترة، تعرض عنقه للكسر، فاضطررنا إلى تصليحه بشكل احترافي بمقر تثبيته في المحرق، واستغرق منا الأمر يوماً كاملاً، ولي أن أشير هنا إلى أن إعداد موقع وتثبيت النصب كان من جهة البلدية”.

ويردف جناحي بصوته العميق “بعد أن تم تثبيت نصب الصقر الجميل بشكله النهائي، وكان ذلك بمنتصف العام 1983، نصب بالقرب منه لوحة، مذيلة باسمي كصاحب للنصب، إلا أنه وبعد فترة وجيزة تم إزالتها، وبنهاية المطاف فإن هذا النصب هو إهداء مني للبحرين، البلد التي أحبها والتي أغدقت علي بخيرها وطيبها، ومحبة أبنائها”.

وسألته هنا “ما شعورك حين تمر الآن وترى النصب بمكانه؟”.

يجيب جناحي “أشعر بسعادة كبيرة، تذكرني بالماضي الجميل، وكذلك بعطائي لبلدي”.