+A
A-

سأفجر ما بداخلي لأول مرة

المشكلة:

لا أدري كيف أبدأ رسالتي هذه.. يكفي أنني سأفجر ما بداخلي لأول مرة عبر هذه الرسالة، يكفي أنني سأتكلم بعد سكوت دام سنوات طويلة.

أنا شاب أبلغ من العمر 19 سنة، بداية مشكلتي كانت منذ الطفولة على ما أعتقد، فأنا الولد الوحيد بين أربع بنات وطبعا لا داعي لأن أشرح لك كيف تكون معاملة الولد الوحيد!

لم أجد من أبي ما يجده مَن حولي من آبائهم، فأجدهم يتكلمون مع آبائهم في كل الأمور، وعلاقاتهم كعلاقة صديق بصديقه. فوجدت نفسي حائرا لأنهم لم يعودوني منذ الصغر على أن يتحدثوا معي في أمور الدنيا، ولم يجلسوا معي ويناقشوني في أمور حياتي.. ولن ألومهم، قد أكون أنا السبب لأنني إنسان معقد، عصبي، مزاجي جدا، خجول وعاطفي..  وطوال فترة وجودي في المنزل أكون في غرفتي مغلقا الباب على نفسي، لا أجلس معهم ولا حتى أكلمهم إلا قليلا، مع أنهم لا يقصرون معي بأي شيء أريده ويحاولون أن يلبوا لي كل ما أريد، لذلك أحاول الآن التقرب منهم أكثر من الماضي.

كل هذه الأمور تجعلني أدور داخل دوامة لا أعرف لها طريقا للخروج، حياتي مأسوية، لا أتكلم، ولا أظهر ما بداخلي لأحد، ولعل أكثر مشاكلي عذابا وتأثيرا على حياتي مشكلة الخجل، أخجل من الحديث مع الناس، حتى الأقرباء لا يمكنني في أغلب الأوقات أن أواجههم في الحديث عينا بعين..

هذه المشكلة تعرقل حياتي بشكل كبير جدا، لدرجة أنني خرجت فصلين من الجامعة.. لا أحضر المحاضرات؛ لأن من معي لا أعرفهم معرفة جيدة وأشعر بأن الأنظار موجهة إلي.. لدرجة أنني أصل إلى الجامعة وقبل المحاضرة بدقائق أعود إلى المنزل.. أحس بأنني في كل خطوة مراقب.. ولعل سبب هذه النقطة بالتحديد أنني شاب وسيم ومحبوب.. رفاقي الذين يعرفونني جيدا يحبونني ويحترمونني جدا، ويصلني أن هناك من يود إقامة صداقات معي من الجنسين.. مع العلم بأن صداقاتي محدودة جدا لهذا أحس بأن الجميع يراقبونني، وفي الوقت نفسه أشعر بأنني مكروه بين الناس، وخاصة الذين لا أعرفهم.. والمشكلة الثانية هي أنني لا أملك الشجاعة لتكوين صداقات وعلاقات اجتماعية.  وهذه المشكلة بالتأكيد ستؤثر سلبا على حياتي العلمية والزوجية بشكل كبير مستقبلا.  أما مشكلتي الثالثة فهي العاطفة.. أنا إنسان حساس جدا، وعاطفي جدا، أما المزاجية، فلها تأثير كبير على حياتي، وأعترف أيضا بأنني إنسان ضعيف الشخصية، لا رأي لي، وأيضا لا أبالي بما يحدث من حولي، وأقوم بتأجيل الأعمال حتى لو كانت ضرورية، هل يمكن أن ألجأ إلى استخدام بعض الحبوب أو أدوية تخفف عني في الفترة هذه؟ أحيانا كثيرة أفكر بالانتحار، ولكنني أدرك خطورة هذا الأمر ورفض الإسلام مجرد التفكير فيه.

ولد البحرين

 

 

الحل:  

عزيزي (ولد البحرين): شدتني جدا رسالتك عندما استلمتها وأخدتها من ضمن الرسائل الأخرى وقرأتها بتمعن، وعندما انتهيت قلت في نفسي أهي مشكلة واحدة أم مشكلات عدة متداخلة؟ أم هي حلول مبعثرة لم تتمكن من تجميعها؟!

عزيزي الشاب: اسمح لي أن أهنئك على ذكائك وشجاعتك في التعبير عن كل ما تعانيه بكتابة حرة حتى ولو كانت غير مرتبة كما تقول، ولكنها شاملة في معطياتها وصريحة في شفافيتها لكل من يقرأها..

ولكن قبل البدء بتحليل المعطيات وطرح الحلول المناسبة والقابعة بين ثنايا مشاعرك وأحاسيسك المتراكمة في جبل جليدي بدأ يذوب تلقائيا بسبب وعيك ونضجك لتلك العوامل والأسباب التي جعلتك تبوح وتفجر ما بداخلك لأول مرة بعد سكوت دام سنوات طويلة.. نعم خير ما فعلت يا بني وكان لابد من ذلك.

هل تعلم يا عزيزي أن الإنسان عندما يدرك معاناته ويفهم بيئته المحيطة وتأثيراتها المختلفة على حياته بصورة عامة يكون بهذا الأمر قد وصل إلى الوعي الكامل بمعظم مشكلاته وكل ما يتبقى هو الاختيار الأمثل للسبيل الممكن للتغلب عليها من خلال توجيه وإرشاد بسيط من شخص آخر يمارس العملية الإرشادية بطريقة علمية سلسلة تخلو من أسلوب الفرض والتعنت؟

ويبدو لي أنك كتبت الحروف وكل ما يلزمك هو وضع النقاط عليها لكي تكتمل الجمل المفيدة وتعطي المعنى لقارئها.

أول ما أنصحك به هو أن تكون جادا في طي صفحتك الماضية بشأن كل ما تتحسس به من تأثيرات وحواجز خلقتها لنفسك دون أي مبرر، وكن صريحا جدا مع نفسك في اختيار قائمتين لكل ما كتبته عن نفسك من سلبيات وإيجابيات، فاكتب في القائمة الأولى كل المزايا التي تتصف بها حتى لو كانت بسيطة ولا تمثل لك شيئا، واكتب في القائمة الثانية كل العيوب التي تراها في نفسك دون تردد، سوف تجد أنك إنسان طبيعي لا تختلف عن أي إنسان آخر فلكل منا مزايا وفي مقابلها عيوب.

أنت وجهت اللوم لنفسك بدل والدك، واعترفت بأن الأسرة تلبي لك كل طلباتك، وتحاول أن تقترب من أسرتك الآن أكثر من الماضي، أصدقاؤك الذين يعرفونك جيدا يحبونك ويحترمونك، فأنت شاب وسيم ومحبوب وهناك الكثير ممن حولك يريدون تكوين علاقات الصداقة معك من الجنسين، استبصارك لمشكلة الشجاعة التي تفقدها وأنها ستؤثر على حياتك العلمية والزوجية سلبا، وعرفت نفسك بأنك إنسان حساس وعاطفي، وأقوى نقطة إيجابية لديك هي إدراكك مدى خطورة التفكير في الانتحار وتحريم ديننا الإسلامي لهذا الأمر الشنيع..

ألا ترى يا بني أن هذه الأمور كلها إيجابية ومزايا جميلة تتصف بها وعليك أن تعيد تقييمك لنفسك، وفي المقابل لا مانع أن تنظر إلى تلك السلبيات والعيوب التي تراها في نفسك خصوصا أنك واع لها وتدركها تماما، كعلاقتك بأولادك والمزاجية والانطوائية والخجل وعدم الشجاعة في تكوين العلاقات الاجتماعية، شعورك بالحساسية الزائدة والبلادة والكسل.. كل هذه الأمور تدركها وتعرفها وكل ما عليك هو أن تعكسها وتتخذ الجوانب الإيجابية منها وتسلك طريقك نحو تكوين الاتجاه الإيجابي لها بصورة تدريجية، ولو تعاملت مع هذه المواقف بشكل صحيح ومن دون حساسية وتردد تأكد أنك ستنجح في حياتك بصورة عامة، فتوكل على الله وابدأ خطوتك الأولى في اتباع الأسلوب الجديد، سوف تكون راضيا عن نفسك ولن تحتاج إلى العلاج بالعقاقير أو خلاف ذلك.

فامنح نفسك فرصة لخوض هذه التجربة أشهرا عدة ثم انتظر نتائجها، آملا أن تزودني بها في رسالة مقبلة، مع تمنياتي لك بالتوفيق إن شاء الله.