+A
A-

قاسم حداد: طرفة بن العبد قـريني الثقـافي والإنسـاني

حلَّ الشاعر البحريني قاسم حداد ضيفًا على جمهور ملتقى “أمسيات الثقافي” بدولة الكويت، تحت عنوان “طرفة بن الوردة”.

قدّم الأمسية الشاعر مسفر الدوسري، ورافقتها معزوفات موسيقية قدَّمها العازف أحمد الراشد، إضافة إلى معرض فني تشكيلي من أعمال طفول حداد. وبدأت الأمسية بكلمة للمسؤولة الإعلامية للملتقى في “ميوز لاونغ” خديجة الشمري، قالت فيها إنه “تم الحرص على البدء بشكل يتوج بالجمال، وهو ما دفع أعضاء الملتقى للتفكير في إطلالة مختلفة ومغايرة، لذا كان علينا أن نختار ما هو مختلف ومتفرد. إذًا، فلا خيار أجمل من أن يكون قاسم حداد بيننا، فهو شاعر يحيي لنا غيومًا في سماء طرفة بن الوردة”.

بدوره، قدّم الشاعر مسفر الدوسري كلمة تعريفية بالضيف، أشار خلالها إلى أنه اليوم يقدّم الشعر للشاعر، مضيفًا: “مُربك ما أنا فيه، مربك حد الاصطدام بزجاج نافذة اليأس برأس عار، فكيف لأفق يضيق أن يعرف المدى المتسع؟ وكيف أن أقدم من قدم لنا على جمر من الكلمات فأنضجتنا؟!”.

وأضاف: “لم نعرف مكانًا آمنًا للحب، حتى أتانا هذا القاسم حافي القدم يمشي بصوفية عاشق لا تشبه صوفية العشاق الآخرين الذين لا يرون طريقًا للاتحاد بحبهم سوى الموت”.

وعقب ذلك، قرأ حداد مجموعة من قصائده على أنغام العود، غمرتها المشاعر والرؤى، وتميزت نصوصه بالتكثيف والإيحاء، ومن القصائد التي قرأها: “زهرة العنفوان”، “نظام الكلام”، “نهاية الأرب”، و”ما البحرين” ومن أجوائها:

سألته: وما البحرين؟ قال: “إذا كنت تقصد البحرين عندنا، فهي التي إن بدأت في رأس عُمان، فلن تنتهي عند نهر البصرة، وإن كل ما بينهما فضاء مزيج بين الوقت والمكان. وسوف يشمل أقاليم ساحل البحر وداخل الجبل. ويطال هجر والأحساء جميعها. غير أن هذا كله لم يكن ليعني شيئًا عندما نهمُّ نزوحًا عن مكان أو نسعى رحيلاً إلى مكان. فالبحرين عندنا هي الآفاق التي تستعصي على التخوم وتفوق الوصف”.

ثم تحدث الشاعر قاسم حداد، وقال: “المواهب الحقيقية هي التي تتميز بالمعرفة، هي الطريقة لاكتشاف الآفاق المفتوحة أمام الشعر العربي، فهناك آفاق رحبة ممكن للشعر العربي أن يذهب لها بواسطة مواهب حقيقية متوافرة في كل المشهد العربي”. وردًّا على سؤال من أين يستمد قوته الشعرية؟ قال حداد: “من اللغة العربية، فكلما أحسن الشاعر وعي اللغة وجمالياتها وغناءها وثراءها، فإنه يستطيع أن يكتب شيئًا جميلاً”.

وعن سؤال: أين وصل الشعر العربي الحديث؟، أجاب: “أنا أتكلم عن الشعر ككل، لا أميز، فالشعر في المطلق هو شعر حديث. ما نتحدث عنه هو الشعر بالمعنى والرؤية واللغة”.

وعن مقولة له في إحدى المناسبات، إن “الشعر لا يبدو جميلاً إن لم يكن غامضًا”، أشار إلى أن “الغموض أحد عناصر جمال الشعر، ولا يقتصر عليه فقط، بل كل فنون التعبير؛ الأدبية والفنية والموسيقية، لابد أن تكون فيها درجة من الغموض، وهو شيء جميل، لأنه عندما تكتب أدبًا أو فنًّا أو شعرًا، فأنت تكتب عواطف، ولا تكتب أفكارًا، فالعواطف يصعب تفسيرها، وحلها”.

وعن سر اختياره طرفة بن العبد، قال: “أحببت هذا الشاعر وأنا صغير في بداية المرحلة الابتدائية، وأعجبت به وبتجربته الاجتماعية والشعرية والفلسفية، وموقفه من القبيلة، وتجربته الروحية، وشعرت بأنه قريني الثقافي والفني والإنساني”.

وعقب القراءات الشعرية، فتح باب النقاش، وسأله الأديب إسماعيل الفهد عن تجربته مع فان غوخ، فقال حداد: “غوخ تجربة منذ بداية الثمانينيات ونهاية السبعينيات، وفي الستينيات أول ما تعرفت عليه في مجلة الهلال المصرية، فكان رئيس التحرير يعمل محلقًا خاصًّا في كل عدد عن فنان تشكيلي عالمي، ووقعت على أحد الأعداد، فكان عن غوخ، وفي الثمانينيات أعدت قراءته واكتشافه، وشعرت بأن لغوخ تجربة غير عادية إنسانيًّا، أولا هو بدأ الرسم بعد الثلاثين، ومات في عمر 37 سنة، وكل منجزاته الفنية ولوحاته كانت في 7 سنوات”. وأضاف: “كان غوخ مشهورًا برسائله التي ترجمت في السنوات الأخيرة كاملة، ويعتبرها النقاد من أهم الرسائل التي تعبِّر عن تجربة إنسانية وثقافية عميقة”.

وتابع حداد: “الفنان غوخ بدأ حياته كمبشر ديني، ونزل إلى مناجم الفحم مع العمال تحت الأرض، وهذه مرحلة تقاطعت مع تجربتي في الحياة”.

وأشار حداد إلى أنه قبل أن يبدأ في الكتابة، دفعه غوخ إلى قراءة المشهد السياسي والثقافي في أوروبا، واكتشف ثورات الربيع الأوروبي، لافتًا إلى أن تجربته في نص “أيها الفحم يا سيدي” بمثابة تحية شعرية لفنان تشكيلي. وأضاف أن لديه تجارب أخرى مع فنانين تشكيليين كثيرين، وحقق أعمالاً فنية ونصوصًا أدبية يعتز بها، وربما هذا الذي دفعه حتى يعمل نصًّا مشتركًا مع غوخ.

وعلَّق حداد: “هناك مفارقة زمنية بين طرفة بن الوردة، ومجنون ليلى، وفان غوخ، وهذا يعبِّر عن موقفي ورؤيتي للفنون الإبداعية، إنها خارج الزمن والوقت والمكان والتاريخ. وفي الحقيقة كل التجارب التي شاركت فيها مع فنانين آخرين أغنتني وعلمتني أشياء كثيرة، وإسماعيل الفهد من التجارب المشتركة”. بحسب موقع الجريدة الإلكتروني.