+A
A-

مياسة.. بقايا الشاي ألواني وأكياسها خاماتي 2-2

من باب الكتابة ولجت عالم الفن، وكأي فنان يهيم في عالم اللون ويلتهي بعوالمه يبدأ بإقامة علاقات جديدة مع أمكنة أخرى غير تلك التي ألفها سابقا/ مراسم فنانين/ صالات عرض/ متاحف/ ورش فنية وبشر يتمتعون بأمزجة مختلفة نوعا ما. تقول مياسة (مُنيتي) مجلتي المدرسية التي كنت أخططها وأكتب موادها وأخرجها فتحت لي باب دخول الفن، ومنه كونت لها عالما آخر غير عالم الكتابة وراحت تشارك في الورش الفنية وفي المعارض الجماعية المحلية والخارجية.

حول مسيرتها في عالم الصورة والكتابة واللون كانت هذه المحادثة مع الفنانة التشكيلية مياسة السويدي:

أخبريني عن مرسمك، عن علاقتك به.. ما الذي يعنيه؟

أحب أن أسميه فضائي أو مكاني الخاص جدا. وهذا المكان غير مفتوح لأي زائر يدفعه الفضول فقط للدخول إلى عالمي، فلا يدخل مرسمي سوى مهتم بالفن أو شخص قريب من روحي، وكل ما في مرسمي يساعدني على الاسترخاء والإبداع، الموسيقى التي أحب، وكتبي وأوراقي التي أبوح لها بأفكاري وكل ما يدور في خلدي. وقد أقضي بعض الأحيان أكثر من عشر ساعات في داخله، خصوصا قبل المعارض الفنية التي تطلب تسليم أعمال في وقت محدَّد.

علاقتي بالمكان حميمة جدا، فكلما ابتعدت عنه قليلا كلما شعرت بمزيد من الحنين لمعانقة فضائي الخاص، إذ إن في أعماقه هدوئي التي قد يعتبرها البعض عزلة، لكني أسميها "خلوة مع الذات"، تلك التي يحتاجها المبدع ويستطيع من خلالها أن يُعيد حساباته، أو ينفصل عن العالم ويختلي بذاته، لترتاح من صخب الحياة. ففي مرسمي أمارس حريتي وانطلق بسعادة، حيث تختفي القيود والأقنعـة الحاضرة فيفي العالم الخارجي، وتبقى الحقيقة وحدها.

ما علاقتك بالشاي؟ ما الذي أخذك إليه؟

لم تكن علاقتي بالشاي حميمة جدا، ولكن الفكرة كانت محل بحث حينما عرض على المشاركة في مهرجان (الطعام ثقافة) في تجربته الأولى الذي تنظمه هيئة البحرين للثقافة والآثار، العام 2016م، فكنت أبحث عن عمل مختلف أستطيع تقديمة في تلك التجربة المرتبطة ما بين الطعام والتشكيل، وبطبيعتي البحثية التي اكتسبتها من خلال مراحلي التعليمية وتحديدا في رسالة الدكتوراه، تعلمت ألا أقبل على أي عمل قبل البحث بشكل دقيق والوصول إلى قناعة يقينية بأنه عمل يحمل الدّهشة، فكانت بدايتي مع كوب شاي منسي على الطاولة، ربما لم يكن لي، فأنا لست من محبي شرب الشاي كثيرا، إذ إني أميل إلى القهوة بكافة أشكالها، لكن اللون الذي برز أمامي قادني لتلك الدهشة، فالتقطت كيس الشاي وتأملته بفضول شديد أثار بداخلي الرغبة في الاكتشاف أكثر والتجريب، قمت بتفكيكه بعناية وحرص شديد، أزلت الشاي وبسطت الورقة لأتأملها بهدوء.

بدت أمامي كلوحة جميلة، فلمعت الفكرة، وانطلقت في مسارين، الأول جمع أكياس الشاي، والأخرى البحث الدقيق عن فن الرسم بالشاي، تعرفت من خلالها على نفسي من جديد، قرأت كثيرا عن تاريخ الشاي والأساطير التي صاحبته، ورائحة الشاي التي أصبحت أشبه بحالة عطر في مرسمي، آلاف الأكياس، حيث قضيت أطول أيامي في المرسم لأنجز أعمالي الفنية التي اعتمدت فيها على الكولاج وإعادة تدوير مواد سبق استخدامها، فكانت بقايا الشاي هي ألواني البسيطة وأكياسها خاماتي؛ للتعبير عن الفكرة الأساسية بشكل فني استطعت من خلالها عرض ما يقارب 27 عملا فنيا متفاوتة الأحجام في متحف البحرين الوطني، وحصلت في ذات العام على جائزة "تصويت الجمهور" من مؤسسة سوفيرين الفنيّة العالمية على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبيعت لوحة همس الشاي في مزاد كريستيز الذي صاحب الجائزة العام 2016 في دبي.